وندم عمر على ما فعل داحضا بذلك تهمة الإلهام التي اتهموه بها، وقال: " لقد أعتقت فيما دخلني يومئذ رقابا، وصمت دهرا " ورغم ذلك فعندما يذكر عمر ما صنع حينما يكون في خلوته يشعر بثقل ذنبه ويكون أكبر همه، ولذا توصل عمر إلى نتيجة قنع بها في اتهام الرأي، على أن الرأي منعدم في قبالة النص، ولا سيما في حياة النبي صلى الله عليه وآله، كما حدث لعمر.
ومن عجائب ما ذكره الدحلاني في قول عمر " لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا ": " وإنما فعل ذلك لتوقفه عن المبادرة بامتثال الأمر، وإن كان معذورا في جميع ما صدر منه، بل مأجور، لأنه مجتهد "!!
ولله العجب من هذا الكلام! أيجتهد عمر في أمر صدر من النبي صلى الله عليه وآله في حياته؟! أيعد عدم امتثال عمر لأمر الله ورسوله اجتهادا في وجه النبي الكريم؟! وهل كان لعمر الخيرة من أمره قبال ما قضاه الله ورسوله من قضية الصلح تلك؟! وهل كان عمر يرى التسليم لأمر الله لا يلزمه؟! أم أن عصمة النبي صلى الله عليه وآله ليس لها وزن أمام آراء عمر بن الخطاب؟! أم يا ترى وجد عمر في قوله تعالى: ﴿ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ (1) فسحة للرد على النبي صلى الله عليه وآله وعدم المبادرة إلى امتثال أمره وللاجتهاد ضد أوامره؟!
وروي أنه عندما لم يقم أحد من الناس للمبادرة بامتثال أمر النبي صلى الله عليه وآله لما قال لهم:
" قوموا فانحروا وحلقوا " دخل عليه وآله السلام على أم سلمة [التي كانت معه يومئذ] وهو شديد الغضب فاضطجع، فقالت: ما لك يا رسول الله؟! مرارا، وهو لا يجيبها، وذكر لها ما لقي من الناس، وقال لها: هلك المسلمون، أمرتهم أن ينحروا ويحلقوا، فلم يفعلوا " (1).
فعمر لم يكن مستثنى من الناس في أمر النبي صلى الله عليه وآله بالنحر والحلق، ولم يقم عمر، وتثاقل مع الناس في امتثال أمر النبي صلى الله عليه وآله. ولو كان لعمر هذا الثواب بسبب هذا الاجتهاد ضد أوامر النبي صلى الله عليه وآله فلم قال النبي صلى الله عليه وآله لأم المؤمنين: " هلك المسلمون، أمرتهم أن ينحروا ويحلقوا، فلم يفعلوا "؟!.
.