الإنسان بين الواجب الدنيوي والمصير الأخروي يأتي الإنسان إلى هذه الحياة الدنيا، مبتدئا، إياها بيوم مولده، ثم ينشأ ويترعرع.
وتترعرع في جنبيه آماله وأحلامه، ويقوى تعلقه بهذه الحياة، فلا يسعه فراقها ولا يرضى بغيرها بدلا، فيطوي على هذا الحال سنين طويلة، ويبلغ من عمره ما يبلغ، فتأكل الأيام قواه ويثقل الزمان ظهره بحمل من السنين، فيقعد مرغما عن السعي إلى الآمال والركود خلف الأحلام. وعندها تحين الالتفاتة، وهو ما يفتأ يرى أنه قد بلغ النهاية في عراكه مع أحداث الحياة من أجل الوصول إلى ما كان يرجوه من أسفاره. وها هو الآن يضع عصا الترحال مستسلما لأمر الواقع، إذا قد حانت أشراط الفراق، وقد ازدادت الشقة بينه وبين هذه الحياة، ثم يلفظ آخر أنفاسه خاتما تلك الحياة في لحظة من سكرات الموت.
فهل ينتهي إلى هنا كل شئ؟ وهل تنتهي الحياة بموت الإنسان وتحوله إلى جثة هامدة وعظام نخرة، ثم لا شئ بعد ذلك؟ فإن كان الأمر كذلك، فما هو الفرق إذا بين الإنسان والحيوان، وبين إنسان وآخر من جنسه من حيث المصير؟ ما الفرق بين الناس:
الناجح منهم والفاشل في حياته، وبين الخير والشرير، وبين العادل والظالم؟ أم أن خالق الكون والإنسان لا يهدف إلى شئ من خلقه إياه؟ أم أن وجود الإنسان محدود بهذه الحياة الدنيا فحسب، فلماذا الموت والفناء إذا، ولم لا يترك الإنسان مخلدا باقيا في حياته، ما دام لا شئ بعد الموت، أم أن الخالق عاجز عن إبقائه فيها أبدا؟