فعليه.. إما أن يقبل أن غيرته على الدين تفوق غيرة النبي صلى الله عليه وآله، أو أن غيرة عمر هذه قد أخرجته عن دائرة اعتبار مقام النبوة، فصار يرى النبي صلى الله عليه وآله مناقضا أو مخالفا لكتاب الله!! ومن عبارته: " أليس نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟! " يتضح ذلك جليا، لأن نهي القرآن عن شئ لازمه مخالفة الذي لا يعمل بهذا النهي.
فالقرآن - كما يظن عمر - قد نهى النبي صلى الله عليه وآله عن الصلاة على المنافقين، ولكن النبي صلى الله عليه وآله صلى على المنافق ابن أبي.. فيكون بالتالي قد خالف النبي صلى الله عليه وآله القرآن الكريم - كما يظن أبو حفص - ولذا لم يتورع عن جذب النبي صلى الله عليه وآله من ثوبه والاعتراض على صلاته!!
فهذا إلهام آخر يخبر عمر بمخالفة النبي الكريم للقرآن، فيبدو النبي صلى الله عليه وآله في هذا الموقف مخطئا ومذنبا، ويظهر أبو حفص مصيبا موافقا للحق والصواب! فهل يبقل العقل هذا؟! أم هل يؤيد القرآن ذلك؟!!
ولما اشتد اعتراض عمر على النبي صلى الله عليه وآله في أمر الصلاة قال له النبي صلى الله عليه وآله: " أخر عني يا عمر إني خيرت، قيل لي: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر الله له لزدت "، [فابتعد عمر عن سبيل النبي صلى الله عليه وآله] فصلى رسول الله عليه، ومشى خلفه، وقام على قبره... (1).
فكل هذه الأفعال التي أتى بها النبي صلى الله عليه وآله تبدو في نظر عمر مخالفات للقرآن، ولهذا جذب النبي صلى الله عليه وآله من ثوبه ناهيا إياه عن مخالفة القرآن، في جرأة لم يتصف بها إلا عمر، ولكن لم يعبأ النبي صلى الله عليه وآله به ولا باعتراضاته، فصلى عليه كما رأيت.
على أن هذا الأمر كان بعيدا عن إدراك وأفهام عمر، وذلك لسببين:
أولا: من أين لعمر أن النبي صلى الله عليه وآله قد نهي عن الصلاة على المنافقين، وعلى القيام على قبورهم في ذلك الوقت؟! فالآية التي استدل بها عمر على منع الصلاة على موتى المنافقين والقيام على قبورهم ليس فيها إشارة إلى منع الصلاة عليهم ولا نهي عن القيام على قبورهم، وإنما تبين عدم فائدة الاستغفار لهم، ولو بلغ سبعين مرة، ولهذا قال .