ولقد روى الواقدي: "... ولقي عمر من القضية [يعني قضية الصلح] أمرا كبيرا، وجعل يرد على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الكلام، ويقول: علام نعطي الدنية في ديننا؟ فجعل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول: أنا رسول الله، ولن يضيعني! قال: فجعل [عمر بن الخطاب] يرد على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم الكلام. قال [و] يقول أبو عبيدة بن الجراح: ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول الله يقول ما يقول؟! تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واتهم رأيك!... وقال عمر: فما أصابني قط شئ مثل ذلك اليوم، ما زلت أصوم وأتصدق مما صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت يومئذ.
فكان ابن عباس يقول: قال لي عمر في خلافته، وذكر القضية - أي قضية صلح الحديبية -: " ارتبت ارتيابا لم أرتبه منذ أسلمت إلا يومئذ. ولو وجدت ذلك اليوم شيعة - أي مؤيدين له - تخرج عنهم رغبة عن القضية لخرجت ".
وقال أبو سعيد الخدري: جلست عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوما، فذكر القضية فقال: لقد دخلني يومئذ من الشك، وراجعت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم يومئذ مراجعة ما راجعته مثلها قط، ولقد أعتقت فيما دخلني يومئذ رقابا وصمت دهرا.
وإني لأذكر ما صنعت خاليا فيكون أكبر همي، فينبغي للعباد أن يتهموا الرأي. والله لقد دخلني يومئذ من الشك حتى قلت في نفسي: لو كان مائة رجل على مثل رأيي ما دخلنا فيه أبدا " (١).
نعم، لقد لقي عمر من القضية - وهي مما قضى به الله ورسوله - أمرا بل أمرا كبيرا، والله تعالى يقول: ﴿إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين.
وما صاحبكم بمجنون﴾ (2). ولكن دخل عمر ما دخله من الريب يومئذ! وهذا الريب الذي يوضحه بقوله: ارتبت ارتيابا لم أرتبه منذ أسلمت، زين لعمر الخروج على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله يوم الصلح، إذا وجد من يشاطره الرأي في الخروج على النبي صلى الله عليه وآله وما رضي به النبي صلى الله عليه وآله.
.