وإنما أراد المثال الأقوى في تأكيد عدالته وتنفيذه أمر الله، حتى لو كان السارق من له مقام كالزهراء، لو قدر لذلك أن يحدث.
ونحن لا نفهم - بل يجب أن لا نفهم - من غضب النبي (صلى الله عليه وآله) لغضب الزهراء إلا لأنها وقفت على عرصات العلم اليقيني الذي تنكشف به حقائق الأمور حسنها وقبحها. وعلم كهذا لا يقوم بنفس خالطها ولو يسير من القبح أيا كان ذلك، لأن العلم اليقيني هذا كله حسن. ولما قام بنفس الزهراء فيجب أن تحفظ السنخية والانسجام بين نفسها وعلمها هذا. بل إن هذا العلم ونفس الزهراء شئ واحد بالذات، فلا يحتاج إلى التأكيد والكلام عن السنخية والمشابهة، لأن هاتين تطلبان بين اثنين، ولا اثنينية بين الزهراء وعلمها إلا ذهنا.
فالاتحاد بين هذا العلم - الذي كله خير - ونفس الزهراء (عليها السلام) لا نفهم منه إلا ذلك التطهير وتلك التزكية، كما هو واضح. فالرسول إذا على يقين من أن الزهراء في تناء عن الباطل وفي انسجام مع الحق، ولذا لم يكن يخشى منها على الناس بأن تغضب عليهم بلا وجه حق. ولهذا لما كان من بين الناس - من يتنكر لهذا المقام الفاطمي ولا يتورع عن ظلمها وإغضابها، قرن غضبها بغضبه، بل قال لها: " إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك ".
وبهذا تتضح لنا عصمة البتول (عليها السلام) بصورة جلية.
فما دام غضب الزهراء (عليها السلام) هو غضب النبي (صلى الله عليه وآله)، ورضاها هو رضاه (صلى الله عليه وآله)، فلا ريب أن يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، إذ لا يمكن أن يرى الله نبيه غاضبا ولا يغضب، أو يراه راضيا فلا يرضى.
ماذا كان بينها وبين أبي بكر وعمر؟
ونأتي بعد هذا ونسأل: ماذا كان بينها وبين أبي بكر وعمر في مسألة ميراثها من أبيها محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!
يروي البخاري عن عائشة أم المؤمنين: " أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم مما أفاء الله