سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا ما تسعه، ولا يفيض عليها إلا بقدر ما تطيقه. وليس الناس سواسية في ذلك.. ولهذا فالطاقة الروحية والسعة المعنوية لأهل بيت النبوة منذ الأزل هي التي جعلتهم في قدرة وسعة أرحب تحصلوا بها على قدر من الإيمان لا يتوفر لأي فرد من سائر الناس، فهو إيمان أفيض عليهم طبقا لسعتهم وطاقتهم. ولازم الإيمان العالي هذا تقوى من سنخه وطبعه وقدره، ولازم هذه التقوى علم يوازيها: ﴿واتقوا الله ويعلمكم الله﴾ (1)، فكان هذا العلم هو العلم اليقيني الذي تتحقق العصمة به. وفي الواقع لم يتم الأمر لهم على هذا التسلسل الذي ذكرناه في بيان ذلك المقام، وإنما الأمر واحد كلمح بالبصر، ومنذ الأزل. وإنما الألفاظ هي التي تخلق الانفصال بين الإيمان والتقوى، وهذا هو العلم اللدني لأهل البيت.
وهم بهذا العلم - كما أوضحنا في بحث العصمة - عرفوا حقائق الأشياء وقبيح الذنوب معرفة ذاتية لا وصفية، فنفرت منها نفوسهم، إذ لا تشابه: فهي نفوس عظم فيها الله وامتلأت به نورا..
فهل يبقى مجال للتفكير في اجتناب ظلمات المعاصي فضلا عن ارتكابها؟!!
دلالة حديث الثقلين على عصمة العترة إن حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة المستفيضة، وهو من الآثار التي وقفت بشدة أمام أشد الناس تعصبا ضد أهل البيت.
إن ابن تيمية المعروف بإنكاره لكل فضيلة من فضائل أهل البيت، والثائر على كل منقبة من مناقبهم قد امتدت ثورته بلا حياء ضد فضيلة أهل البيت في حديث الثقلين!
فلقد سعى الرجل بكل ما أوتي من بغض لعترة النبي صلى الله عليه وآله إلى نفي الأمر باتباع العترة في هذا الحديث، لعله يخفف من وزن الثقل الثاني فيه بإنكاره إياه.
يقول ابن تيمية: " الحديث الذي في مسلم.. ليس فيه إلا الوصية باتباع الكتاب وهو [صلى الله عليه وآله] لم يأمر باتباع العترة [عليهم السلام]، ولكن قال: أذكركم الله في أهل بيتي "!