لقد ذهبتم فيها عريضة " (1).
كتمان الشهادة! شهادة الزور وأرجو أن لا يندهش أحد إذا قلت: إن من الصحابة من كذب وكتم الشهادة. وهذا بلا شك طعن في العدالة والوثاقة، ذلك أن كتم الشهادة وشهادة الزور من أكبر المطاعن التي بين سوءها القرآن الكريم.
يقول ابن أبي الحديد: " ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أن عدة من الصحابة والتابعين والمحدثين كانوا منحرفين عن علي عليه السلام، قائلين فيه السوء. ومنهم من كتم مناقبه وأعان أعداءه، ميلا مع الدنيا وإيثارا للعاجلة، منهم أنس بن مالك.
ناشد علي عليه السلام الناس في رحبة القصر - أو قال رحبة الجامع بالكوفة -:
أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه "؟ فقام اثنا عشر رجلا شهدوا بها، وأنس بن مالك في القوم لم يقم، فقال له: يا أنس! ما منعك أن تقوم فتشهد، ولقد حضرتها؟
فقال: يا أمير المؤمنين، كبرت سني ونسيت!
فقال: اللهم إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة.
قال طلحة بن عمير: فوالله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه " (2).
فالصحابة بشر تدفعهم بشريتهم أحيانا إلى ارتكاب الأخطاء من أجل تحقيق أهداف، وإن خالفت الشرع، وحتى لو أدى ذلك إلى شهادة الزور.
روي أنه لما جازت عائشة ماء الحوأب ونبحتها كلابها تذكرت تحذير رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونهيه إياها أن تكون هي صاحبة الجمل، فبكت وقالت: " ردوني، ردوني "، فجاءها طلحة والزبير بخمسين رجلا لهم جعلا، فأقسموا بالله إن هذا ليس بماء الحوأب. فواصلت مسيرها حتى البصرة. ثم ذكر أنها أول شهادة زور أقيمت في