ترك الأمر للناس والشورى الذين يرون أن اختيار الخليفة الأول تم على أساس الشورى يعتقدون بأن هذا الأمر مما يمكن الفصل فيه برأي الناس، فالشورى ليست سوى الحوار بين الأطراف وإبداء الرأي، واختيار الصائب في رأيهم من بين الآراء. وهم يستندون في قولهم هذا إلى قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) و (وشاورهم في الأمر). ولكن بقليل من التدبر وإعمال الفكر يستبين الأمر ويصرح الحق، ويتضح لهم الخطأ فيما ذهبوا إليه.
إن الشورى سواء كانت من قبل النبي صلى الله عليه وآله مع أصحابه، أو كانت بين الصحابة فيما بينهم.. ولا تفترض إطلاقا إلا في المسائل والأمور التي لم يفصل فيها الوحي، ولم ينزل فيها نص يبينها أو سنة تفسرها.
بل يذهب الأمر أبعد من هذا، إذ مع حدوث النزاع في أمر من الأمور لا بد من مراجعة الوحي واللجوء إليه، إذ أنه تبيان لكل شئ.
وعلينا أن نعلم أن ذلك الخلاف والاختلاف المتسع بين أفراد الأمة في مسألة الخلافة وإمامة المسلمين - منذ بدئه أيام السقيفة إلى يومنا هذا - يرجع إلى ترك اللجوء إلى الله والرسول لفض هذا النزاع.
إذا، فهو من عند غير الله، ولذا نشاهد فيه اختلافا كثيرا. وهكذا كل أمر ينفرد الإنسان فيه برأيه، وهكذا كانت السقيفة وخلافة أبي بكر.
وأما من حيث إن خلافة الصديق من صميم الرأي البشري.. فهذا ما يوضحه لنا أبو حفص:
قال عمر لابن عباس: " يا ابن عباس، أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد (ص)؟
قال ابن عباس: فكرهت أن أجيبه، فقلت له: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدريني!
فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة، فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا، فاختارت قريش لأنفسها، فأصابت ووفقت " (1)!
فانظر إلى عبارة أبي حفص: " كرهوا "، وانظر إلى قوله: " فاختارت قريش