بعد الإسلام لا يؤهله لأن يرتفع من مقامه ليزاحم مقام النبوة، بل لا يستطيع - وهو في مقامه هذا - أن يشاهد مقام راحات أقدام النبي صلى الله عليه وآله.
فكل ذلك ما هو إلا ضبابة ضربت حول ابن الخطاب. فعمر يكفيه من الفخر أن يسرد لنا ما أنجزه في التاريخ من فتوحات للإسلام، دون أن يصوروه لنا إنسانا يدرك ما لا يقدر على إدراكه النبي صلى الله عليه وآله، ويقول الحق ولو في مقابلة النبي الكريم، ويضرب في القبر الملائكة عندما يأتونه للسؤال..
كل ذلك عشعش وباض وأفرخ في رؤوس الناس، فجاء عمر كما يعرفه أهل السنة اليوم.
لم يكن عمر معصوما من الخطأ وهوى النفس ونزعات الشيطان. وإن الإيمان يزيد وينقص، والمقامات العليا لا تنال إلا بجهاد النفس والمراقبة الشديدة في طاعة النبي صلى الله عليه وآله.. وشأن عمر وبقية الصحابة بل وكافة الناس في ذلك سواء. والقرآن الذي تلاه عمر فوجد فيه أنه مأمور بما جاء فيه من تكاليف واتباع للنبي صلى الله عليه وآله هو نفس القرآن الذي نتلوه اليوم، وهو القرآن الذي سيتلوه من يأتي من الناس في كل عصر ومصر، فإذا لم نجد فيه ما يجوز مخالفة النبي صلى الله عليه وآله، فلنا الحق أن نسأل: كيف جاز ذلك لعمر؟
فلعمر أن يغضب لشروط الصلح التي كانت تبدو في الظاهر وكأنها دنية - كما بدت له ما دام لا يستطيع أن يدرك ما يدركه النبي الكريم، من الحكمة والمصلحة - في صلح الحديبية. له أن يغضب إذا لم يستطع أن يتجاوز ببصيرته الظاهر، ولكن لا يجوز أن يترك لغضبه زمام أمره حتى ينسيه مقام النبوة. غير أنه كان المرجو من عمر أن يكون في هذا المقام الحساس في حياة الإسلام رابط الجأش صلب العزيمة إلى جانب النبي صلى الله عليه وآله يشد من أزره لإنقاذ أمر الله، لا أن يسعى - بسبب غضبه وأنفته التي لحقته بسبب الصلح - إلى تفكيك الجبهة الداخلية التي كانت الهم الأول للنبي صلى الله عليه وآله بعد هجرته إلى المدينة.
يقول عمر عن كتابة الصلح: " فعملت لذلك أعمالا، فلما فرغ رسول الله، قال لأصحابه:
قوموا فانحروا ثم احلقوا... فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل خباءه... "!