إنما هو الوجوب على المأمور، لا على الآمر، لا سيما إذا كانت فائدته عائدة على المأمور خاصة، والوجوب عليهم هو محل الكلام لا الوجوب عليه [صلى الله عليه وآله].
على أنه يمكن أن يكون واجبا عليه أيضا، ثم سقط الوجوب عنه بعدم امتثالهم وبقولهم: " هجر "، حيث لم يبق لذلك الكتاب أثر سوى الفتنة، كما قلت حرسك الله.
وربما اعتذر بعضهم، بأن عمر رضي الله عنه ومن قالوا يومئذ بقوله لم يفهموا من الحديث أن ذلك الكتاب سيكون سببا لحفظ كل فرد من أفراد الأمة من الضلال على سبيل الاستقصاء، بحيث لا يضل بعده منهم أحد أصلا، وإنما فهموا من قوله: " لن تضلوا " إنكم لا تجتمعون على الضلال بقضكم وقضيضكم، ولا تتسرى الضلالة بعد كتابة الكتاب إلى كل فرد من أفرادكم. وكانوا رضي الله عنهم يعلمون أن اجتماعهم بأسرهم على الضلال مما لا يكون أبدا، وبسبب ذلك لم يجدوا أثرا لكتابته، وظنوا أن مراد النبي [صلى الله عليه وآله] ليس إلا زيادة الاحتياط في الأمر، لما جبل عليه من وفور الرحمة، فعارضوه تلك المعارضة، بناء منهم أن الأمر ليس للإيجاب وأنه إنما هو أمر عطف ومرحمة ليس إلا، فأراد التخفيف عن النبي [صلى الله عليه وآله] بتركه إشفاقا منهم عليه [صلى الله عليه وآله].
هذا كل ما قيل في الاعتذار عن هذه البادرة، ولكن.. من أنعم النظر فيه جزم ببعده عن الصواب، لأن قوله صلى الله عليه وآله " لن تضلوا بعده " يفيد أن الأمر للإيجاب - كما ذكرنا - واستياؤه منهم دليل على أنهم إنما تركوا من الواجبات ما هو أوجبها وأشدها نفعا، كما هو معلوم من خلقه العظيم.
ويختم الشيخ سليم رحمه الله قوله قائلا: فالأولى أن يقال في الجواب:
هذه قضية في واقعة كانت منهم على خلاف سيرتهم، كفرطة سبقت، وفلتة ندرت، لا نعرف وجه الصحة فيها على سبيل التفصيل، والله الهادي إلى سواء السبيل.
يقول الإمام شرف الدين الموسوي: قلت قد استفرغ شيخنا وسعه في الاعتذار عن هذه المعارضة، وفي حمل المعارضين فيها إلى الصحة، فلم يجد إلى ذلك سبيلا. لكن علمه واعتداله وإنصافه كل ذلك أبى عليه إلا أن يصدع برد تلك الترهات،، ولم يقتصر في تزييفها على وجه واحد، حتى استقصى ما لديه من الوجوه، شكر الله حسن بلائه في