إذا، فليعلم الدحلاني ومن ذهب مذهبه أن عدم المبادرة إلى امتثال أمر النبي صلى الله عليه وآله ليس أنه لا يتضمن ثوابا فحسب، بل موجب للهلاك والعذاب، كما قال النبي صلى الله عليه وآله.
ولو كان عمر بن الخطاب - دعك من أن يكون مستيقنا من الأجر على اجتهاده ضد أوامر النبي صلى الله عليه وآله - لو كان يظن ظنا أنه مأجور على عدم المبادرة إلى امتثال أوامر النبي صلى الله عليه وآله.. لما توسل إلى الله طلبا لرضاه ومغفرته بعتق الرقاب والصوم دهرا، إذ أن هذا العمل يوضح ندم عمر على ما صنع مع رسول الله، وهذا يبين إحساسه بالإثم، لا الثواب يا سيدي الدحلاني!
غير أن إثبات عدم المبادرة إلى امتثال أوامر النبي صلى الله عليه وآله من ناحية عمر هو موضع حديثنا وهو ما نسعى إلى توضيحه. ومن هنا يظهر بطلان حديث " اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر "، وقول من قال: إن الشيخين لامتثالهما أمر النبي عليه وآله السلام أمر باتباعهما.
ولما عاد النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه راجعين بعد صلح الحديبية إلى المدينة، نزلت عليه بكراع الغميم - وهو مكان بين مكة والمدينة - سورة الفتح.
وقد روى البخاري (١) أن النبي صلى الله عليه وآله نادى عمر وقال له: " لقد أنزلت علي سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ". ثم قرأ: ﴿إنا فتحنا لك فتحا مبينا﴾ (2)، فقال رجل من أصحابه: ما هذا بفتح، لقد صددنا عن البيت، وصد هدينا، ورد رجلان من المؤمنين كانا خرجا إلينا! فقال النبي [صلى الله عليه وآله] " بئس الكلام هذا، بل هو أعظم فتح، قد رضي المشركون أن يدفعوكم بالبراح عن بلادهم، ويسألوكم القضية، ويرغبوا إليكم في الأمان، وقد رأوا منكم ما كرهوا، وأظفركم الله عليهم، وردكم سالمين مأجورين، فهو أعظم الفتوح. أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؟! أنسيتم يوم الأحزاب (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله .