الكريم في أمر ذاك الصلح، ولكن حتى هذا القول النبوي المحض أيضا لم يكن بشافع للنبي صلى الله عليه وآله عند عمر!
وظل عمر يرد عليه الكلام ردا، ولم يترك للنبي صلى الله عليه وآله حتى حق الجدل والنقاش بتقسيم فرص الكلام، حتى اضطر ذلك أبا عبيدة بن الجراح ليتدخل وينتزع من الفاروق فرصة للنبي الأكرم لكي يقول ما يقول، فخاطب أبو عبيدة عمر صارخا: " ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول الله [صلى الله عليه وآله] يقول ما يقول؟ نعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".
فانظر عزيزي القارئ إلى هذا الإلهام الذي يتعارض مع الوحي! فلو كان عمر صائبا في معارضته للنبي الكريم لأبدى النبي صلى الله عليه وآله لتلك المعارضة ارتياحا وتحسينا، ولكنه سعى بكل السبل إلى إقناع عمر وإزالة أنفته بلا جدوى. فعمر لم يكن مصيبا، وليس لأحد أن يتجرأ فيصحح لنا ما صدر منه يوم هذا الصلح.. فالذي يسعى إلى تصحيح معارضة عمر تلك، عليه - قبل ذلك - أن يتلو آية التسليم لأمر الله ورسوله، وينظر متدبرا عباراتها.. فهل يجد فيها تأييدا لابن الخطاب من قريب أو بعيد، حتى يجوز له الوقوف أمام أفعال النبي صلى الله عليه وآله كما فعل يوم صلح الحديبية؟!
على أن النبي صلى الله عليه وآله بين لنا بوضوح حقيقة معارضة ابن الخطاب، فقال له بذلك الخلق القرآني العظيم: " يا عمر! إني رضيت وتأبى؟! ".. ولعمر الله، لو كان أحد يقف أمام رؤساء هذا اليوم الموقف الذي وقفه عمر أمام الصلح الذي قبله النبي صلى الله عليه وآله، لكان نصيبه سنوات في ظلمات السجون أو قرارا يطوي حبال المشانق حول عنقه.. ولكنه النبي لا كذب، فلعمر أن يقول ما يقول، ولن يجد إلا صفحا جميلا... عليك وعلى آلك صلوات الله وسلامه يا نبي الله.
" يا عمر! إني رضيت، وتأبى؟! ".. نعم يا نبي الله لقد أبى عمر ما رضيت به، فيا لها من عبارات تذيب الصخور تسليما وخضوعا وطاعة لأشرف المخلوقات.. ولكن لم يسمع قلب عمر هذه العبارات التي تعج بالمعاني والانتقاد واللوم، ولم يرم النبي صلى الله عليه وآله منها إلا بيان مقامه النبوي المعصوم الذي نسيه أبو حفص، في لحظة من لحظات الأنفة. ولو كان عمر قادرا على أن يعي تلك العبارة لكان قد وعى التي قبلها: " إني رسول الله، ولست