هذه الأرض ولعلهم أخذوا هذه الفكرة عن الفرس، أو لعلهم أخذوا شيئا منها عن المصريين، ومن هذه الخاتمة الروحية ولدت المسيحية (1).
والدارس للكتب الإسرائيلية يجدها تسير مع الفكر الذي أوضحناه آنفا فهي لم يرد فيها شئ عن البعث واليوم الآخر، وإنما ورد حديث عن الأرض السفلى والجب التي يهوى إليها العصاة ولا يعودون (وإن الذي ينزل إلى الهاوية لا يصعد). ويقول Arthur Hertzberg: إن الكتاب المقدس نفسه يعد الحياة الدنيا وحدها هي عالم الإنسان، وليس هناك اعتقاد بعد ذلك في بعث، وجنة أو نار (2).
ومر الزمن واحتل الفرس بلاد بابل ودولتي اليهود، ووقع الأسر البابلي، ثم سمح قورش ملك الفرس لليهود بالعودة إلى فلسطين وإعادة بناء معبدهم، وكانت هذه العلاقة الطيبة بين الفرس وبين اليهود داعية لأن يدرس اليهود الديانة الزرادشتية ديانة الفرس، ومن تعاليم هذه الديانة، اقتبس اليهود الاعتقاد في حياة أخرى بعد الموت، ولأول مرة عرفوا أيضا أن هناك جنة ونارا فنقلوا ذلك الاعتقاد إلى دينهم (3)، وفي هذا الجو بدأ أشعيا كلامه الذي يشير إلى يوم البعث وإلى الحساب والجزاء، كما أخذ دانيال يحذر الناس ويذكرهم بيوم البعث، ومن قوله في ذلك: (كثيرون من الرافدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار، إلى الازدراء الأبدي (4)).
على أن اليهود عندما تكلموا عن الآخرة، لم يكونوا في أكثر الأحوال يعنون ما تعنيه الأديان الأخرى من وجود دار للحساب على ما قدم الإنسان في حياته الأولى، إنما كانوا يعنون بها شيئا آخر، فالشعب اليهودي عند الباحثين