عليه أنفس ما يملكون لأنهم ظنوا أنه طالب مال، وعرضوا عليه الجاه والسؤدد وأرادوه ملكا عليهم، ولكن محمدا صاح صيحته الشهيرة: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه (1).
وظنه الجدد من أتباعه ذا سلطان، فكانوا يقفون له إذا قدم عليهم، ولكنه هتف بهم: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، فلست بملك، وإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة.
وقاسى محمد من أجل النبوة ألوانا من العناء، عرف الجوع والطوى، وامتدت عليه الأيدي بالضرب والايذاء، وقاطعته قريش هو ومن تبعه أو نصره، واستمرت المقاطعة ثلاث سنوات، وشملت التجارة والمحادثة والتزاوج وغيرها من المعاملات، وكان من نتيجتها الضر البالغ لمحمد، ولبني هاشم جميعا، ثم تلا ذلك هجرة وغربة قاسية.
وماذا حصل محمد لذويه؟
إن كان محمد قد حصل شيئا لأولاده وذويه فذلك الشئ هو الحرمان، طالما بات مع أهله على الطوى، وطالما قنع وقنعوا معه بالثوب المرقع، والنعل المخصوف، ثم - وهو غاية الحرمان - لقد وضع محمد حدا لما قد يقال عن جلب النفع، فقال قبل موته: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة. وهكذا حرم أهله من ميراث يناله جميع الناس من موتاهم، وبرهن على أنه هو ليس لأهله وإنما للمسلمين جميعا، حياته لهم، وموته لهم، وكفاحه من أجلهم، دون هدف ذاتي أو منفعة خاصة.
وليس لمحمد ميراث أدبى كما أنه لم يكن له ميراث مادي، فالنبوة ليست ملكا ولا سلطانا يتوارثه الأهل، ولما مات محمد انتقل سلطانه إلى القبائل كما