يطق الباطل أن يوقفه، ولم يمض قرن من الزمان حتى كان الإسلام يخفق في الأندلس ويرفرف على السند، ويشمل بخارى وينساب إلى قلب إفريقية، ويعم ما بين هذه البلاد من بقاع.
ولنعد إلى محمد نبي الإسلام لنذكر جملة أخرى من صفاته قبل أن نستمر في حديثنا عن موضوعات هذا الكتاب.
لقد بعث محمد وتبعه بعض الناس، وعاداه آخرون، ولكن أعداءه لم يستطيعوا أن يجدوا في أخلاقه مطعنا، ولم يستطيعوا أن يزعموا أن فيه نقيصة، أو ثلمة.
وعظم شأن الإسلام وانتشر، وكبر سلطان محمد باعتباره الرئيس الديني والرئيس السياسي، ولكن مظاهر السلطان لم تعرف طريقها إليه، فقد ظل يحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم نفسه، ويأكل مع الخادم، ولم ير أصحابه فيه إلا رائدا وصديقا، كان ينهاهم عن الوقوف له إذا أقبل عليهم، وكان يجلس معهم كواحد منهم، وإذا قدم وهم جالسون اتخذ مكانه حيث انتهى به المجلس، وكان يمازحهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره، ويجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة (1).
ولم تقف سماحة نفسه عند أتباعه، بل امتدت إلى أهل الكتاب، فكان يقبل دعوتهم، ويحسن استقبالهم، وقد فرش عباءته لنصارى نجران عندما وفدوا عليه وطلب منهم الجلوس عليها، وكان يزور مرضاهم ويشيع جنازاتهم.