عقيدته الدينية، وليس الحجر الأسود عندي إلا كذلك بالنسبة للرسول صلوات الله عليه.
تلك هي العبادات في الإسلام، وتلك هي فلسفتها ومنها يتضح ما سبق أن أوردناه من أن العبادات تهذب الناحيتين المادية والروحية في الإنسان، وهي متجددة متكررة حتى يظل المسلم أقرب إلى الطهر، وحتى تجذبه العبادة إلى رحبات الله كلما دفعته ماديات الحياة إلى البعد عن هذه الرحبات.
بقي أن نوضح أن كلمة عبادة معناها الطاعة، فعلى البشر أن يطيعوا خالقهم وأن يعبدوه كما أراد، فهموا معنى العبادة أو لم يفهموها، ولو ناقش خادم سيده في كل أوامره وأبى أن يستجيب إلا لما يفهم سببه من هذه الأوامر، لما طالت بينهما الصلة، ولأسرعت العلاقة بينهما إلى الانفصام، ثم إن هناك فرقا ملحوظا بين أن تتوضأ قاصدا النظافة مع الطهارة، وأن تصلي قاصدا رياضة البدن مع تهذيب الروح، وبين أن تتوضأ وتصلي قاصدا الطاعة والامتثال وإرضاء الله، ولا شك أنه في حالة الطاعة المطلقة تكون العبادة أمثل وأصدق تعبيرا عن المقصود، ويروي الأستاذ الشيخ محمود شلتوت في هذا المجال حديث الرسول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ويعلق فضيلته على هذا الحديث يقوله: فمن قصد بالوضوء النظافة فهجرته إلى غير الله، ومن قصد الرياضة بالصلاة فهجرته إلى غير الله، ومن قصد بالصوم العلاج الصحي فهجرته إلى غير الله، وهكذا من يفعل العبادة لغير وجه الله خالصة فهجرته إلى ذلك الغير (1).