الحج:
ربما كان مفيدا ونحن على باب الحديث عن الحج وما به من فوائد مادية وروحية أن نتذكر الاحصائيات الخاصة بالسياحة في العالم، وسنرى بلا شك آلاف الناس يقطعون ملايين الأميال كل عام لرؤية أهرام الجيزة أو للاستمتاع بشمس أسوان، وللانزلاق على الجليد في سويسرة، ولرؤية صورة أقرب إلى الحياة الطبيعية أو البدائية ببعض أجزاء جزيرة بالي في إندونيسيا، وهكذا يسعى الناس من الشرق للغرب ومن الغرب للشرق، لا بدافع ديني، ولا لهدف روحي، وإنما لما تحققه الرحلات من مزيد من التجارب ومزيد في المتعة الجسمانية والعقلية، ولا شك أن رحلة المسلمين حتى يصلوا إلى البلدان المقدسة سيكون لها في هذا المجال نصيب وافر ربما كان وحده دافعا إلى القيام بها، على النحو الذي يدفع إلى القيام بالرحلات المماثلة.
ولا يظن ظان أن شمس أسوان هي التي تدفع الرحالة إلى هناك، لا، فكثير من الناس يرحلون وهدفهم الرحلة فقط، وما يعود على الإنسان منها من فوائد ذات بال، بدليل أن الرحلات تنتظم كل بلاد العالم، فإذا كانت حلوان مثلا تمتاز بمائها المعدني وجوها الجاف الرائع الذي يعد علاجا لبعض الأمراض، فإن أهل حلوان وما جاورها من المدن يرحلون أيضا ويتجهون برحلاتهم إلى أمكنة أخرى بعيدة عن حلوان، ومن الواضح أن الإنسان يعد نفسه للرحلة، ويهيئ لها المال والوقت ثم يحدد المكان، فإذا لم ييسر له مكان اختار سواه لأن الرحلة في ذاتها مطلوبة، ولأن الاحساس بالرغبة في الترحال إحساس يكاد يكون عاما ينتظم اليافع والراشد والذكر والأنثى. تلك حقيقة ليس فيها شك أو خلاف، وتثبت الاحصائيات الرسمية أن عددا كبيرا من غير المسلمين يرحلون إلى المملكة العربية السعودية، ويقربون في رحلاتهم من