" عبس وتولى، أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى، أما من استغنى، فأنت له تصدى، وما عليك ألا يزكى، وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى. كلا، إنها تذكرة (1) ".
قصة جماعة يدعوهم الرسول إلى الإسلام، ورجل أعمى مسلم يقتحم على الرسول جلسته ليسأل عن شئ غمض عليه، ولكن الرسول يستمر في اهتمامه بهذه الجماعة رجاء أن يجذبها إلى نطاق الإسلام، أما هذا السائل المسلم فيعرض عنه الرسول مؤقتا فلن يفوت شئ إذا أجل الرسول الإجابة عن سؤاله.
ولكن القرآن لا يترك هذا التصرف لمحمد، وتنزل عليه هذه الآيات التي يقرؤها الملايين. هل هي من صنع محمد؟ وكيف جاز لمحمد أن يلوم نفسه هذا اللوم، وأن يجعل هذا التقريع قرآنا يحفظه الناس ويتلونه على مر الزمن؟
وفي هذه الآيات - بالإضافة إلى العتاب واللوم - معان سامية، واتجاهات رفيعة، إذ لا يمكن أن يعارض محمد نفسه لو كانت الدعوة من خلقه، والقرآن من صنعته، لأن الآيات تسأل بتهكم: لماذا تتصدى لتعلم من استغنى عنك وعن الأفكار التي تدعو لها؟ وماذا يضيرك أن يبقى هؤلاء في ضلالهم....؟
كلا، لا تفعل ذلك مرة أخرى.
هذا أدب الله وتلك سياسة القوى العليا التي لا يصل إلى غايتها فكر البشر، فالفكر البشري يحب الحوار، والالحاح به، والظفر فيه، ولا يرى في ذلك عيبا، وأشهد لقد حصل لي حادث مماثل سأذكره هنا، ولير القارئ رأيه فيه:
في جاكرتا عاصمة إندونيسيا كان يعيش - وأنا هناك - رجل عربي مسلم هاجر إلى إندونيسيا من نابلس بفلسطين منذ حوالي ثلاثين سنة، وتزوج في جاكرتا بفتاة مسيحية هولندية، وأنجب منها بعض أطفال.