قلت له: يا سيدي إنك مادي تقيس الأمور بمقياس المادة وهو مقياس ضئيل لا يصل بصاحبه إلى غاية محمودة، اسمع يا سيدي - وكان الحديث يجري في إنجلترا عقب الحرب العالمية الثانية - ما رأيك فيمن أكلتهم الحرب أو شوهتهم وسلبت عيونهم؟
قال: لقد ضحوا ليسعد الآخرون.
قلت: ولماذا لا تعتقد أن ألوف الآباء سيحسون بالسعادة وينطقون بالشكر لسلامة أبنائهم عندما يرون المشوهين؟ ولماذا تنسى أن هذه العاهة قد تكون مصدر خير على صاحبها؟ والذي لا أشك فيه أن بعض العميان وصلوا إلى مكانة ما كان من الممكن أن يصلوا إليها لو كانوا مبصرين. ولماذا لا تعتقد إنه لولا هذه العاهة لكان من الممكن أن يكون هذا الإنسان مصدر شر وبيل على الإنسانية؟ ولماذا تنسى الملايين الذين خلقهم الله فأحسن حلقهم ثم تنكر وجوده لهذا الشئ النادر الذي لا بد أن يكون لحكمة نستطيع أن ندركها حينا، ولا نستطيع أن ندركها حينا آخر، بسبب اتجاهاتنا المادية وضعف الناحية الروحانية فينا؟
الفطرة والوجدان:
تلك صور من المادة والماديين، على أن هؤلاء في وسط ضلالاتهم وماديتهم يعترفون بالله بفطرتهم، فالفطرة في ذاتها سليمة " ولا يكاد يوجد فوق الأرض مخلوق لا ينطوي على شئ من الشوق الروحاني، أو شعور باطن مبهم بأن هناك قوة عليا يتوجه إليها بفطرته " (1) وهذه الفطرة السليمة يتراكم عليها الصدأ في كثير من الأحوال بسبب الاتجاهات المادية وقلة الثقافة الروحية، ولكن الفطرة تتغلب على الصدأ أحيانا تحت تأثير منظر رائع، أو نجاح خارق، أو هزيمة قوي أمام ضعيف،