العرب:
في صور من وأد البنات، وسبي النساء، وعبادة اللات والعزى ومناة، وفي حروب لا تنقطع، وغارات لا تهدأ، كان يعيش العرب قبل الإسلام، ولعل أدق تصوير وأقصره لحالة العرب في الجاهلية في ذلك الذي قرره جعفر بن أبي طالب أمام النجاشي ملك الحبشة حينما سأله عن دين الإسلام وعن الرسول محمد، قال جعفر: أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف (1).
تلك صورة سريعة مجملة للعالم قبيل شروق الإسلام، تلك الحالة التي وصفها الأستاذ Dinson في كتابه Emotions as the Basis of Civilizatiou بقوله: في القرنين الخامس والسادس كان العالم المتمدن على شفا جرف هار من الفوضى، لأن العقائد التي كانت تعين على إقامة الحضارة قد انهارت، ولم يك ثم ما يعتد به مما يقوم مقامها، وكان يبدو إذ ذاك أن المدنية الكبرى التي تكلف بناؤها جهود أربعة آلاف سنة مشرفة على التفكك والانحلال، وأن البشرية توشك أن ترجع ثانية إلى ما كانت عليه من الهمجية، إذ القبائل تتحارب وتتشاجر، لا قانون ولا نظام، أما النظم التي خلفتها المسيحية فكانت تعمل على الفرقة والانهيار بدلا من الاتحاد والنظام، وكانت المدنية كشجرة ضخمة متفرعة امتد ظلها إلى العالم كله، واقفة تترنح وقد تسرب إليها العطب حتى اللباب.
وبين مظاهر هذا الفساد الشامل ولد الرجل الذي كان خير دواء لهذا الداء.