مطلع الفجر قبيل مولد محمد كان ليل البشرية قد طال، وكان الجنس البشري قد مر بألوان من التجارب والخبرات أوقفته حائرا أمام كثير من مشكلات الحياة ومشكلات ما بعد الحياة، ولكنها في الوقت نفسه هيأته ليتلقى رسالة تنظم له هذه الشؤون وتعالج له ما بدا من مشكلات، ووقفت الإنسانية ترقب مطلع الفجر، وأخذت تقلب وجهها ذات اليمين وذات الشمال، باحثة عن الأمل الذي يقود الإنسانية إلى الهدى، وباحثة عن شعاع الضوء الذي يزيل طبقات الظلام المتراكم.
وانبثق الفجر من هناك، من مكة، المدينة المقدسة التي تربض في منتصف الطريق الواصل بين شمالي الجزيرة العربية وجنوبيها تقريبا، ولم يكن أحد يعرف حينما ولد محمد أن هذا الوليد اليتيم سيكون ذلك الأمل الذي ترقبه الملايين، والذي سيهدي البشرية إلى سواء السبيل.
وولد محمد في ضوء التاريخ، لا شكوك حول أسرته، ولا غموض حول تاريخ مولده، ولا ظلام حول نشأته، ولا تردد حول بعثته ومبادئه، وإنما هي وضوح كلها، ويقين كلها، يؤمن به من يشاء، ويكفر به من يشاء، ولكنه على كل حال كفران ناشئ عن التحدي أو العصبية، أو سبب مماثل من الأسباب، وليس ناشئا عن الجهل أو الغموص. ويقول غوستاف لوبون (1) عن حياة محمد ووضوحها: إذا استثنينا محمدا لم نجدنا مطلعين على حياة مؤسس ديانة اطلاعا صحيحا.
تعال بنا نقص طرفا من سيرة محمد نستقصيها مما كتبناه عنه بتفصيل وإطناب في المظان التاريخية المخصصة لذلك (2).