تطور الرسالات وعمر الجنس البشري يدرك الباحث في مقارنة الأديان حقيقة كبيرة الأهمية، هي أن الجنس البشري بدأ كما يبدأ الطفل أقرب إلى البدائية والبساطة، ثم نما الجنس البشري ونمت أفكاره فوصل إلى ما يمكن أن نسميه مرحلة صبا البشرية، ثم نما مرة أخرى فوصل إلى مرحلة يمكن أن تمد مرحلة شباب البشرية.
وكانت الرسالات تناسب كل طور من هذه الأطوار، ولا نزاع أن مصدر الرسالات هو الله العلي العظيم ذو الجاه والسلطان، ولكنه جلت قدرته كان يعطي الدواء بقدر طاقة المريض، فكان يعطي البشرية من الهدى والتوجيه ما تحتمله البشرية، وما يناسب عودها الذي بدأ ضعيفا ثم اشتد رويدا رويدا حتى اكتمل نموه.
تلك حقيقة واضحة تمام الوضوح لكل من يعني بدراسة الأديان وعلاقتها بالجنس البشري، وقد أشار الأستاذ الإمام محمد عبده إلى هذه الحقيقة في كتابه " رسالة التوحيد " فذكر أن الأديان الأولى خاطبت الحس يوم كانت الإنسانية في طور الطفولة، لا يعرف الإنسان فيها إلا ما يقع تحت حسه، ولا يتناول بذهنه من المعاني ما لا يقرب من لمسه، فلما سار ركب الإنسانية، وجربت وكسبت، وتخالفت واتفقت، وتقلبت في السعادة والشقاء أياما وأياما، ونما بها الوجدان، وبدت العواطف، جاء دين يتحدث عن الزهادة وعن الصفاء وملكوت الله، ولكن الإنسانية في صراعها لم تستطع أن تعيش على الايثار،