مجتمع متعاطف فيما يلي نموذج لحال المجتمع الإسلامي، وما يجب أن يغمره من حب وتعاطف وتعاون، وهو نموذج من واقع الحياة، لا من نسج الخيال، نموذج للمجتمع الإسلامي في عهد عمر، عندما ألمت بالمسلمين نازلة، وحلت بهم كارثة أو كوارث متعددة.
كيف تصرف الراعي؟ وكيف تصرف القادة؟ وكيف تصرفت الرعية؟
وكيف كان الايثار، والتضحية، والتعاطف، خلق هذه الجماعة وهدفها؟
إننا نقدم بفخر هذا النموذج الرائع، راجين أن يكون مثلا يحتذي في عالمنا الإسلامي الحاضر:
حدثت في عهد عمر حادثة جسيمة، أو قل أحداث جسام، تلك هي المجاعة القاسية، وما جرته من أوبئة فتاكة، وموت ذريع، وقد استمرت هذه الأحداث عدة شهور، جاوزت العام، ولكنها كانت وثيقة الدلالة على تعاطف هذا المجتمع، الذي تكون منه جسم واحد، إذا شكا منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.
تسعة شهور تبتدئ من أواخر السنة السابعة عشرة للهجرة، لم يهطل المطر خلالها في شبه الجزيرة، ثم تحركت الطبقات البركانية بداخل الأرض فاحترق سطحها، وما عليه من نبات، وكثر الرماد الناعم الذي تحمله الرياح، حتى سمي هذا العام (عام الرمادة).
والجزيرة العربية تعيش على المطر، إنه يهطل فيشرب الناس، ويزرعون ويحصدون، وينمو العشب فترعى الماشية، وتربى اللحم والصوف، وتدر اللبن، فإذا توقف المطر وطال توقفه إلى هذه المدة، جف الزرع والضرع، وعم الجوع والبلاء، وهلكت الماشية، أو أصبحت عجفاء هزيلة، وهذا ما حصل في هذا العام، فإن الماء، فإن الماء نضب، فنضب معين الرزق، وجفت الماشية،