وكان زاهدا في الدنيا، يؤثر على نفسه ولو كانت به خصاصة، وكان لا يدخر شيئا لغده، حتى لقد توفى وقد رهن درعه عند يهودي في قوت عياله، وكان شديد الزهد في الحياة المادية، اتخذ فراشا خشنا، وطعاما بسيطا، بل لقد عانى الجوع أكثر من مرة، وكان زهده في اللباس كزهده في الطعام.
وكان لامع الذكاء، عميق التفكير، سريع البديهة، وكانت تحيط به أحيانا مشكلات جسيمة ولكنه لم ينهزم أمام واحدة منها، بل كان يبحث عن الحلول في وقت تقف فيه العقول عن التفكير، وحسبك أن تذكر موقفه عندما حلت به الهزائم في غزوة أحد، وخر صفوة من أتباعه،، وتشتت شمل جيشه، ومسه هو الضر، وسقط في حفرة والدم ينزف منه، ونادى منادي قريش أن محمدا قد مات، فأراد أحد المسلمين أن يكذبه، وأن يصيح بأن محمدا لا يزال حيا، ولكن الرسول أسكته فقد أدرك - وهو في حاله تلك - أن خبر وفاته سيوقف نشاط المنتصرين، ويضمن السلامة لكثير من أتباعه، وهذا ما كان.
ومحمد - ككل مصلح وكل رسول - كان له أعداء، ولا يزال له أعداه، ولكن أحدا من هؤلاء لم يستطع أن يجرح أخلاقه، أو أن يجد في صفاته ما ينال منه. وكثير من السمتشرقين الحانقين على الإسلام يذكر أن نجاح محمد كان نتيجة - لا لصدق دعوته - بل لذكائه، وخلقه، وحسن معالجته للأمور، وتفوقه الذهني والخلقي على رجالات عصره.
ومن خصائص الدين الذي جاء على يد محمد التوحيد المطلق الذي لا هوادة فيه، وخلوه من التعقيدات اللاهوتية، وبعده عن الكهنة والقرابين، وقد