الناس يخضعون لهذه المادية ويرونها فلسفتهم ويبنون تفكيرهم على توجيهها وإرشاداتها، وكثير آخرون يقاومون هذه المادية في نفوسهم وينعشون بذور الروحانية فيهم، وهؤلاء درجات متفاوتة، أعتقد أني لا أظلم الناس لو قلت إن قليلين جدا هم الذين سموا بروحانيتهم إلى الطبقة العليا.
وبعض الفقهاء مع ورعهم لا يخلو حديثهم من اتجاه مادي فيما يتعلق بالله جل وعلا، فتراهم عندما يتحدثون عن الإسراء والمعراج - وهو قطعا بالروح والجسد فيما يتعلق بالرسول - يبدو في حديثهم اتجاه مادي فيما يتصل بالله، فهم يتخيلونه جالسا في أعلى عليين، ويصورون محمدا صاعدا إليه سماء بعد سماء، مع أنهم يعرفون الاتجاه السليم الذي يرى أن الله ليس له مكان، أو أنه سبحانه في كل مكان، ويقرأون في ذلك قوله تعالى " وسع كرسيه السماوات والأرض (1) ".
أيها القارئ، أيا كان اتجاهك الديني، هل تنكر أنك مادي؟
إن كنت تنكر ذلك فإني سأسرد لك من حياتك اليومية صورا بسيطة ساذجة لتمتحن بها ماديتك وروحانيتك:
أنت - أغلب الظن - تستعمل معجون أسنان وفرشاة، وعند ما تنفد أنبوبة المعجون تذهب توا لشراء أنبوبة أخرى، ولكن اسأل نفسك: متى تشتري فرشاة أخرى؟ إن نصائح أطباء الأسنان تقضي بأن الفرشاة يلزم أن يستبدل بها غيرها من حين إلى آخر، لأنها تصبح غير صالحة للاستعمال بعد فترة من الزمن، وإن كانت لا تزال تحمل الشعيرات وتبدو كأنها سليمة.
فأنت لا تتأخر عن شراء أنبوبة المعجون يوما واحدا لأن انتهاء صلاحيتها شئ مادي، ولكنك غالبا تؤجل شراء الفرشاة لأن انتهاء صلاحيتها ليس واضح المادية وإن كان لا يخلو منها.