لم تكلف محمدا بدعوة، ولم تخبره برسالة، ولم تكن إلا شيئا غير عادي، لم يدرك محمد كنهه، ولذلك أسرع إلى البيت خائفا مذعورا.
وانقطع جبريل عن الرسول مدة بعد ذلك، وكان الرسول يترقبه في الغار وخارج الغار، وبعد فترة من الانتظار طالت على محمد، ظهر له جبريل مرة أخرى، وكان محمد سائرا بالقرب من منزله، فظهرت عليه رعدة وفزع، وسارع إلى بيته في حالة من الخشية، وقال لأهله: دثروني دثروني! فدثروه. ولكن جبريل جاءه وهو في هذه الحال وألقى إليه نداء ربه: " يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر، وثيابك فطهر، والرجز فاهجر، ولا تمنن تستكثر، ولربك فاصبر (1) "، وأدرك محمد بهذه الآيات ما يراد منه، فهب ينذر الناس، وبدأت بهذه الآيات مراحل الدعوة للدين الجديد، وافتتحت هذه الآيات للإنسانية عصرا جديدا هو عصر النور وعصر السلام والإسلام.
وبدأ محمد دعوته بمكة، ولكن الدعوة تعثرت ووقفت قوى الشر في طريقها، ولكن محمدا بحث عن طريق آخر تنطلق منه دعوة الإسلام، فهاجر إلى يثرب، وحاولت القوة الغاشمة أن تلحق به وأن تحطم بالمدينة الدعوة المهاجرة من مكة، ولكن محمدا قاوم القوة بالقوة، وخاض معارك حاسمة مع المعتدين، كتب له في نهايتها النصر المبين، وعلا صوت الحق، ودخل الناس في الدين أفواجا، وعندما استكمل محمد الثالثة والستين كان علم الإسلام يخفق على الجزيرة العربية كلها، وأصبح لهذه الجزيرة التي كانت أشتاتا متنافرة دين واحد، ورئيس واحد، وغاية مثلي تقودها، وأفكار سامية توجهها، ثم انطلقت هذه القوة من حدود الجزيرة بعد وفاة محمد فاتجهت إلى أرقى الممالك التي عرفها ذلك التاريخ، فخرت هذه بسرعة مذهلة أمام الزحف الإسلامي الذي لم