ولكن ليس هذا فقط هو كل ما عندنا لإثبات صحة رسالة محمد، فإن محمدا أثبت لنا بما لا يحتمل ترددا أنه يحمل رسالة نظمتها قوة أسمى من قوى البشر، أتى لنا بأفكار وضحت لنا ما عجزت الإنسانية عن فهمه عبر القرون فيما يتعلق بما وراء الكون، وأتى لنا بنظم لشؤون دنيانا تكفل لمعتنقيها السعادة في مختلف الأزمنة والأمكنة.
قال لي زميل بجامعة كمبردج: قدم لي الإسلام وأثبت لي أنه رسالة من عند الله.
قلت له: لقد طلبت شيئا يسيرا، لو كنت عربيا لوضعت القرآن بين يديك لترى إعجاز نسجه وإعجاز أفكاره، ولدفعك هذا كما دفع كثيرين من العرب الإيمان برسالة محمد، ولكن رسالة محمد ليست للعرب فقط، إنها للناس جميعا وفيها براهينها لكل الناس، وهاك بيان ذلك:
محمد رجل أمي، لم يعرف القراءة ولا الكتابة " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك " (1)، وهو قليل الثقافة، وبيئته كذلك محدودة الثقافة، ولكن رجلا كهذا جاء بنظام للميراث عاش أربعة عشر قرنا ولا يزال في ميعة الصبا، وعبر هذا النظام حدود الجزيرة العربية إلى عدة أقطار، واصطدم بمدنيات وثقافات متعددة، وقورن بأفكار البشر في رحلته الطويلة، ولكن رجحها ولا يزال يرجحها، تعال معي نقارنه بالنظام الإنجليزي الذي يعطي الميراث للابن الأكبر ويدع من سواه من الأبناء والبنات، وتعال نقارنه بالنظام الهولندي الذي يعطي نصف الثروة للزوجة ثم يقسم الباقي بالتساوي بين الأولاد والبنات والزوجة مرة أخرى، وتعال نقارنه بالنظم التي تعطي البنين وتحرم البنات كما كان متبعا لدى كثير من قبائل العرب ولدى السكان بشمالي