وقد هيأ مال خديجة للرسول فرصة ليتفرغ للفكر الذي كان يراوده، فقد كان محمد كثيرا ما يخلو لنفسه ويفكر في الكون ومبدئه ونهايته، ولكن السعي للمعاش كان يقطع عليه فكره ويحول دون استمراره في هذه اللذة العقلية التي كان ينعم بها، بيد أن حياته الجديدة مع خديجة الغنية ضمنت له فراغ الوقت، ومنحه تقدم سنه مزيدا من العمق، ومنحته أخلاقه الحسنة مزيدا من الصفاء، وشملته عناية الله فرأى أنه يخلو لله، وشجعته زوجته الصالحة على رغبته، فكانت تعد الطعام فيأخذه ويذهب إلى غار حراء، حيث يخلو ليفكر في الكون وخالقه، والموت ومصير الناس بعده، وهكذا، وصفت نفس الرسول فأصبحت رؤاه تتحقق ولا تكاد تتخلف.
برء الوحي:
وظل محمد يخلو ويفكر حتى نزل عليه جبريل يوم الاثنين السابع عشر من شهر رمضان ودار بينهما هذا الحوار القصير:
- اقرأ.
- ما أنا بقارئ.
- اقرأ.
- ما أنا بقارئ.
- اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم (1).
وكانت هذه أول آيات من القرآن الكريم، ومن الملاحظ أن هذه الآيات