لقد كان حريا بقلب آمنة أن يتحطم، ولكن التاريخ يثبت لنا هدوء آمنة في غمرة الحزن، ورضاها مع الأسى، وقد وجدت آمنة سلواها في جنينها ثم ولدته فأنست به، وأصبح دنياها الذي نسيت له وبه كل شئ، ولكن آمنة سرعان ما ماتت وطفلها في السادسة من عمره، وكأنما أراد الله أن يتولى هو تنشئة الطفل، وقد عبر القرآن عن هذا المعنى بقوله: " ألم يجدك يتيما فآوى (1) " وعبر عنه الرسول بقوله: أدبني رب فأحسن تأديبي ".
وتولى عبد المطلب الإشراف على حفيده الحبيب، ولكن عبد المطلب أيضا مات بعد سنتين من آمنة فتولى أبو طالب بن عبد المطلب كفالة محمد.
وواجه محمد الحياة في ظل عمه أبي طالب، تربى في بيته، وساعده في أعماله التجارية، وسافر معه إلى الشام متاجرا قبل أن يبلغ الحلم، وعند ما كان في الرابعة عشرة من عمره وقعت حرب الفجار الرابعة، وقد حضرها الرسول، ويروى عنه قوله " كنت أنبل على أعمامي يوم الفجار وأنا ابن أربع عشرة سنة ".
وتقدم محمد نحو الشباب، ولكنه كان طرازا وحيدا، لم يشرك أترابه فيما اعتادوه من لهو وعبث، فلم يشرب الخمر، ولم يغش مجالس الميسر، ولم يسجد لصنم قط، وكان حليف الأمانة وحليف الصدق حتى عرفه الناس بالصادق الأمين.
وتاجر محمد في مال خديجة بنت خويلد، وسافر في هذه التجارة إلى الشام، وصحبه ميسرة غلام خديجة، وقد ربحت هذه التجارة ربحا عظيما وكانت سبب ارتباط بين محمد وخديجة، وقد توج هذا الارتباط بزواجه منها وهو في الخامسة والعشرين وهي امرأة في الأربعين من عمرها تزوجت قبله مرتين.