حوالي أربع ساعات، وهكذا كنا نسير بين الأرض والسماء ونحن جياع، وفي جيوبنا أموال ولكنها لا تسمن ولا تغني من جوع، والعجيب أننا بعد أن نزلنا من الطائرة وجدنا أنفسنا أمام استقبال رسمي وخطط مرسومة، فلم نر الطعام إلا بعد الساعة العاشرة.
وقد أدركت من هذه الحادثة مغزى هاما من دوافع الصوم، فالصوم يعلمنا الصبر ويجعل مثل هذه الأحداث أمرا عاديا، فالصائم الذي يقضي حوالي ست عشرة ساعة كل يوم دون طعام أو شراب يستطيع أن يواجه أمثال هذه الظروف بابتسامة ورضا، لأن الجوع ليس غريبا عليه إذ يعانيه شهرا كل عام.
ومن الفوائد الروحية الجليلة للصوم غرس خلق المراقبة الذاتية في النفس، فالصوم واجب في رمضان، والاستحمام جائز أو واجب أحيانا، وفي حالات كثيرة يشتد العطش بالمسلم في نهار رمضان، ثم يلقى بنفسه بين الماء ليستحم، ويعمه الماء من كل جهة، وهو شديد الحاجة إلى كوب منه يطفئ به ظمأه ويرد عطشه، ولكنه لا يفعل، مع أنه لا رقيب من البشر عليه، ولن يعلم أحد من الناس ما ارتكب. وهذا الخلق نوع من التربية السامية يغرسه الإسلام في المسلم ليسير في الحياة مستقيما، لا خوفا من القانون فطالما استطاع كثير من الناس أن يخدعوا القانون، ولا خوفا من الناس فطالما أفلت المجرم من عيون الناس، ولكن خوفا من نفسه ومن ضميره ومن الله الذي: " لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء " (1). والذي: " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (3).