ويقصدون بذلك الهرب من الترهل أو يقصدون بعث النشاط إلى الجسم، وإراحة المعدة من التخمة، وقد عبر الرسول عن هذا المعنى بقوله: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع) ولما كان أغلب الناس لا يقوون على الحد من نهمهم من تلقاء أنفسهم، وكانت الرغبة في الطعام تدفعهم إلى أن يأكلوا بدون حساب، فقد جاءت فريضة الصوم لتعالج هذا الداء، وتيسر السلامة للأجسام، وأعرف بعض المسيحيين أدركوا ما في الصوم من فوائد للأجسام ففرضوه على أنفسهم وقاموا به على النحو الذي يتبعه المسلمون، مع استمرارهم على اعتناق المسيحية.
أما الناحية الروحية للصوم فجلية واضحة، وقد أدركت البشرية منذ عهود سحيقة ما يسببه الصوم من تهذيب للنفس وسمو للروح، وأدركت أن الصوم معناه إهمال الماديات واحتقارها، وفي ذلك تقوية للجانب الروحي في الإنسان، فلجأ الفلاسفة القدامى للصوم، أو قل: للحرمان، وبالغوا فيه يقصدون القضاء على الجانب المادي في الإنسان أو - كما فهمته الهندوكية والبوذية - يقصدون إفناء الجسم الذي هو قفص تحبس فيه الروح، معتقدين أن القضاء على هذا القفص سيترتب عليه انطلاق الروح وتحرزها، وقد هذب الإسلام هذه العبادة ولم يقصد بها القضاء على الجسم، وإنما قصد بها هدفا مزدوجا هو ترقيه الجسم وترقية الروح جميعا.
والذي يفكر في الصوم كما نظمه الإسلام يجد أنه رياضة روحية سامية، وأنه ترجيح لجانب الروح في صراعها مع الجسم، وأنه عن طريق الصوم يتحرر الإنسان من العادات التي خضع لها على مر الزمن، كتناول الطعام في وقت معين، وكالتدخين والمرح، تلك العادات التي يمكن أن يقال إن الشخص أصبح عبدا لها لا يستطيع أن يتخلف عنها.