وهنا وهناك ترتفع الحناجر بالتلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك "، ولا يستطيع قلم أن يصور الانفعال الضخم الذي يشمل الحجيج وهم يهتفون هذا الهتاف الخالد، ولا نزاع أنه عندما تمتزج أصواتهم بالتلبية، وتمتزج أرواحهم بالحب، فيتناسون أوطانهم واتجاهاتهم، ويلتقون جماعة واحدة لها إله واحد، وتتبع رسالة واحدة، تجعل منهم أمة واحدة وتجعل لهم هدفا واحدا.
ذلك طرف من الحديث عن روحانية الحج، ولا شك أنه في مثل هذه الظروف يمكن أن يكون الحج مؤتمرا داني الثمرات محقق النفع، فقد هيأت هذه التعاليم الحجيج لصفاء روحاني يجعل هدفهم أسمى من المادة ومن التكالب عليها والسعي لنيلها، ويجعلهم يسعون للخير، لا للانتصار على على حساب الآخرين كما نرى الصراع الذي يدور دون انقطاع في أروقة الأمم المتحدة، وصدق الله العظيم حينما قال: " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (1) ".
بقيت بعد ذلك نقاط نريد أن نستكمل بها حديثنا عن الحج، وأول هذه النقاط أن الحج اجتماع شعبي، لم يختر له مندبون يمتازون بالحجاج والجدل، بل ترك الباب مفتوحا لمن يستطيع أن يأخذ في هذا المؤتمر الشامل بنصيب، والحجيج على هذا يمثلون كل الأقطار بل كل القرى، ويمثلون كل الثقافات وكل الطبقات.