المجلى وعلي المصلى، فصلوات الله عليهما وآلهما.
واعلم أن الحديثين خصوصا الأول كما يدلان بنصهما على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك يدلان على أنه أفضل من جميع الأنبياء، وذلك لأن سبق الاختيار من الله لأحد دليل على شدة اعتناء الله تعالى بشأنه قطعا وشدة الاعتناء من الله يوجب الأفضلية للمعتنى بشأنه على غيره، ولما كان المخصوص بسبق الاختيار هو النبي المختار كان أفضل المخلوقين، ولما كان المثنى به في الاختيار هو حيدر الكرار كان أفضل البرية بعد النبي الأمين، وهذا بحمد الله ظاهر المنار، ليس عليه غباوة ولا غبار، وهو تصديق ما ورد في هذا المعنى من طرقنا من الأحاديث والأخبار، وبه يبطل ما أبطله عز الدين ابن أبي الحديد من القول بأفضلية علي (عليه السلام) على الأنبياء، واندفع بذلك تشنيعه على بعض أصحابنا في هذا القول بسبق الإجماع من أصحابنا على خلافه، فإنه لا إجماع على خلاف هذا القول من أصحابنا إن لم يكن إجماعهم عليه، والأخبار أدلة وشواهد على أن ابن أبي الحديد قال بعد روايته جملة أحاديث هذا منها: إن من قيل فيه ما قيل لو رقى إلى السماء، وعرج في الهوى، وفخر على الملائكة والأنبياء تعظما وتبجحا لم يكن ملوما، بل كان بذلك جدير انتهى، وهو صريح فيما كان ينفيه ويشنع على قائليه من تفضيل علي (عليه السلام) على الأنبياء والملائكة، فكان القوم سكارى عن النظر في تناقض أقوالهم، وواعجباه من فاضل محقق يروي مثل هذه الأحاديث وأضعافها محتجا بها على مذاهبه ومصححا لها في مئاربه ثم يقول لا نص على علي (عليه السلام بالإمامة، فكأنه لا يفهم معاني هذه الأخبار، ولا يدرك حقائق هذه الآثار، قد أغشت الشبهة قلبه وأعمى التقليد للأسلاف عين بصيرته، فلم يهتد للصواب.