فعل من غير روية (1). وقال المحب الطبري: الفلتة: ما وقع عاجلا من غير ترو ولا تدبير في الأمر ولا احتيال فيه، وكذلك كانت بيعة أبي بكر رضي الله عنه، كأنهم استعجلوا خوف الفتنة، وإنما قال عمر ذلك لأن مثلها من الوقائع العظيمة التي ينبغي للعقلاء التروي في عقدها لعظم المتعلق بها ، فلا تبرم فلتة من غير اجتماع أهل العقد والحل من كل قاص ودان، لتطيب الأنفس، ولا تحمل من لم يدع إليها نفسه على المخالفة والمنازعة وإرادة الفتنة، ولا سيما أشراف الناس وسادات العرب، فلما وقعت بيعة أبي بكر على خلاف ذلك قال عمر ما قال. ثم إن الله وقى شرها، فإن المعهود في وقوع مثلها في الوجود كثرة الفتن، ووقوع العداوة والإحن، فلذلك قال عمر: وقى الله شرها (2).
أقول: إذا كانت بيعة أبي بكر فلتة، قد وقعت بلا تدبير ولا ترو، ومن غير مشورة أهل الحل والعقد، فهذا يدل على أنها لم تكن بنص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا نص صريح كما ادعاه بعض علماء أهل السنة، ولا نص خفي وإشارة مفهمة كما ادعاه بعض آخر، لأن بيعته لو كانت مأمورا بها تصريحا أو تلميحا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكانت بتدبير، ولما كان للتروي ومشاورة الناس فيها مجال بعد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها.
ثم إن وصف هذه البيعة بالفلتة مشعر بأن أبا بكر لم يكن أفضل صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن كل ما رووه بعد ذلك في أفضليته على سائر الصحابة إنما اختلق لتصحيح خلافته وخلافة من جاء بعده، ولصرف النظر عن أحقية غيره، وإلا لو كانت أفضليته معلومة عند الناس بالأحاديث الكثيرة التي رووها في ذلك، لما كان صحيحا أن توصف بيعة أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنها وقعت بلا ترو وتدبير، لأن التروي والتدبير إنما يطلبان للوصول إلى