وخالفت السنة فيه: أما الأشاعرة فباعتبار نفي الحسن والقبح، فلزمهم أن يذهبوا إلى جواز بعثة ولد الزنا المعلوم لكل أحد، وأن يكون أبوه فاعلا لجميع أنواع الفواحش وأبلغ أصناف الشرك! وهو ممن يسخر به ويضحك عليه ويصفع في الأسواق ويستهزأ به، ويكون قد ليط به دائما لأبنة فيه، قوادا، وتكون أمه في غاية الزنا والقيادة والإفتضاح بذلك، لا ترد يد لامس! ويكون هو في غاية الدناءة والسفالة، ممن قد ليط به طول عمره، حال النبوة وقبلها، ويصفع في الأسواق، ويعتمد المناكير، ويكون قوادا بصاصا. فهؤلاء يلزمهم القول بذلك حيث نفوا التحسين والتقبيح العقليين، وأن ذلك ممكن فيجوز من الله وقوعه، وليس هذا بأبلغ من تعذيب الله من لا يستحق العذاب، بل يستحق الثواب طول الأبد!
وأما المعتزلة، فلأنهم جوزوا صدور الذنب عنهم عليهم السلام، لزمهم القول بجواز ذلك أيضا، واتفقوا على وقوع الكبائر منهم، كما في قصة إخوة يوسف!
فلينظر العاقل بعين الإنصاف: هل يجوز المصير إلى هذه الأقاويل الفاسدة، والآراء الردية؟ وهل يبقى مكلف ينقاد إلى قبول قول من كان يفعل به الفاحشة طول عمره إلى وقت نبوته؟ وأنه يصفع ويستهزأ به حال النبوة؟! وهل يثبت بقول هذا حجة على الخلق؟!
واعلم أن البحث مع الأشاعرة في هذا الباب ساقط، وأنهم إن بحثوا في ذلك استعملوا الفضول، لأنهم يجوزون تعذيب المكلف على أنه لم يفعل ما أمره الله تعالى به، من غير أن يعلم ما أمره به، ولا أرسل إليه رسولا البتة! بل وعلى امتثال أمره به، وإن جميع القبائح من عنده تعالى! وإن كل ما وقع في الوجود فإنه فعله تعالى وهو حسن! لأن الحسن هو الواقع والقبيح هو الذي لم يقع.