للإمامة قط ولا نازع أحدا في الخلافة. ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط.
ومن تعلى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط. ومن آنس بالله استوحش من الناس.
ويقول كثير من الناس: إن جعفرا قد شغل نفسه بالعبادة عن الرياسة وإنه ابتعد عن السياسة وارتضى لنفسه حياة التعبد والعلم وترك المطامع، بل ودفع أهله عنها.
وتقول الإمامية: إن الصادق كان إمام عصره ولم يخرج داعيا لنفسه آخذا بمبدأ التقية وينقلون عنه أنه قال: التقية ديني ودين آبائي.
والتقية أن يخفي المرء بعض ما يعتقد ولا يجهر به، خشية الأذى أو للتمكن من الوصول إلى ما يريد، والأصل فيها قوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه).
لقد عمل الصادق عملا متواصلا في تأسيس المذهب الجعفري ونشره بهمة لا تخمد وذكاء لا ينطفئ وكان الشيعة في العراق ينادون به إماما ويعتبرون أنفسهم أتباعا له.
ورغم ابتعاده عن المطالبة بالخلافة أو الخروج في سبيلها فإنه لم يكن ليسلم من ظنون الحكام في عصره.
لقد رأى المحن التي نزلت بآل البيت بأم عينه من جراء المطالبة بالخلافة لذلك فهو لم يطالب بها ولم ينازع أحدا في شأنها.
ولما جاءت الدولة العباسية بدت بشائر الرفق والعطف بالعلويين في عهد السفاح العباسي ولكن ما إن خرج محمد بن عبد الله الحسني في المدينة وأخوه إبراهيم بن عبد الله الحسني في العراق على أبي جعفر المنصور حتى اشتدت النقمة على العلويين وأحيطوا بالريب والظنون مع اضطهاد كبير للبيت العلوي.
رأى الصادق فجيعة الأخوين وموت أبيهما مكلوما في سجن المنصور في الهاشمية فأثر ذلك في نفسه كثيرا وفضل الانصراف إلى العلم بدلا عن السياسة، وهو