اختراع علم يدرك به الغيب وهو الجفر وزعموا أن هذا العلم قائم على قواعد من الحساب إذا جمعت وفرقت وحللت عرف منها الحوادث والخواطر المنطوية في ضمير الزمان.
وقد ناقش ابن خلدون دعوى الجفر هذه ورأى أن صحة بعض التنبؤات - إن كانت - ما هي إلا نوع من الكرامات يجريها الله لعامة عباده الصالحين فضلا من أن يكونوا من أهل البيت.
وفي الحقيقة أن ابن خلدون عالج في فصل كامل من مقدمته قضايا الملاحم والكشف عن مسمى الجفر وخرافات المنجمين. ومما قاله في ذلك: قد يستندون في حدثان الدول على الخصوص إلى كتاب الجفر ويزعمون أن فيه علم ذلك كله عن طريق الآثار والنجوم.. وأصل كتاب الجفر أن هارون بن سعيد العجلي رأس الزيدية كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص على الخصوص. وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمتكلم من الأولياء كان ما بيد هارون بن سعيد مكتوبا في جلد ثور صغير فرواه عنه العجلي وكتبه وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب فيه.
وقد ذكرنا قبل مذهب الغلاة من الخطابية في اعتقادهم آلهية جعفر والأئمة من أهل البيت وقولهم: إنهم أبناء الله وأحباؤه. واليوم قد يجد الباحث طرافة أو إفادة ذات بال في أمثلة الحوار الذي ينقل عن الصادق مع الزنادقة أو مع علماء الأصول ومناقضاته لهم في قولهم بالرأي والقياس، وفي حواره السياسي في إثبات الخلافة عن طريق الشورى أو الاختيار.
وإني اقتصر هنا على مثالين من مواقفه في ذلك:
1) موقفه مع زنديق لقيه بمكة، سأله الصادق: ما اسمك؟ قال: عبد الملك. قال:
فما كنيتك؟ قال: أبو عبد الله. فقال الصادق: فمن ذا الملك الذي أنت عبد له؟ أمن ملوك