ويعتبر العصر الذي وجد فيه عصر التفتح للاجتهاد الفقهي الذي اختلفت مناهجه وإن كان الأصل واحدا، وهو العصر الذي ضبطت فيه موازين الفقه ومقاييس الاجتهاد الصحيح.
لقد اتجه آل البيت إلى دراسة الفقه والآثار النبوية في المدينة إذ كان علم المدينة هو بقايا علم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي حاضرة الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الثلاثة من بعده. وهم لا يتحرجون من روايتها عن الصحابة والتابعين.
وكان المدينة قد بلغت شأوها وذروتها في العلم في عهد الباقر والصادق وزيد.
إلى أن قال:
ثم جاء عصر تابعي التابعين وهو العصر الذي عاش فيه الإمام الصادق وفيه اتسعت شقة الخلاف بين الفريقين من الفقهاء وصار لكل فريق سمة يتصف بها كما صار لكل إقليم من الأقاليم الاسلامية شهرة في أحد المنهاجين.
ويقول بعض من كتب في تاريخ الفقه: إن المدينة اشتهرت بفقه الأثر وإن العراق اشتهر بفقه الرأي. ولكثرة الرواية في المدينة كان الرأي بلا شك في العراق أكثر منه في المدينة، وكان الصادق على علم بالمنهاجين إلا أنه يعد فقيها مدنيا.
إن الصادق ومن قبله الباقر كانا لا يأخذان بالقياس وإن الفقه الجعفري لا يبني على القياس. وقد أخذا على أبي حنيفة إفتاءه بالقياس. ويمكن القول أن رأيهما مبني على المصلحة غير أن الصادق كان يجتهد برأيه فيما لا نص فيه.
آراء الصادق في الإمامة:
لم يشغل الصادق نفسه بالسياسة العملية ولم يعلن رأيه الصريح وقد رأى من قبله كيف احترقوا بالسياسة فابتعد عنها. ولا بد أن يكون له رأي أخفاه عن الحكام أو الأمراء وأعلنه سرا أو في المجامع على أتباعه والمتشيعين للبيت العلوي.