أبا حنيفة احتراما زائدا، فهم يذكرون له ما قاله في المنصور وغيره من الظالمين من بني أمية أو بني العباس. فقد قال أبو حنيفة: لو أن هؤلاء بنوا مسجدا وأمروه بعد الآجر له فإنه لا يفعل، لأنهم فاسقون والفاسق لا يليق للإمامة. وبلغ المنصور هذا القول أخيرا فأمر بأبي حنيفة إلى السجن وبقي فيه حتى مات. وكان ما لاقاه من الاضطهاد لقوله هذا أن كسب صداقة الشيعة وقد استند في قوله على ما جاء في القرآن حيث يخاطب الله إبراهيم (البقرة: 124) (إني جاعلك للناس إماما قال: ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين). وقد بنى علماء الشيعة المتأخرين كالمجلسي قولهم في أن هذه الآية تنص نصا صريحا على أن الفاسق لا يكون إماما. ويبدون فرحهم في أن البيضاوي والزمخشري وأبا حنيفة يكادون أن ينفقوا معهم في تفسير هذه الآية.
ورأي الإمام جعفر الصادق في الإرادة، وكان البحث يدور حولها حينئذ بشدة، هو أن الله أراد بنا شيئا وأراد منا شيئا، فما أراده بنا طواه عنا وما أراده منا أظهره لنا. فما بالنا نشتغل بما أراده بنا عما أراده منا.
ورأيه في القدر هو أمر بين أمرين، لا جبر ولا تفويض. وكان يقول في الدعاء:
اللهم لك الحمد إن أطعتك ولك الحجة إن عصيتك لا صنع لي ولا لغيري في إحسان ولا حجة لي ولا لغيري في إساءة.
إلى أن قال في ص 144:
ويقول اليعقوبي عن الإمام جعفر الصادق: وكان أهل العلم الذين سمعوا منه إذ رووا عنه قالوا: أخبرنا العالم. وإذا ما تذكرنا أن مالك بن أنس (94 - 179) مصنف كتاب الموطأ كان معاصرا للإمام جعفر، وقد سبق البخاري ومسلم بنحو قرن ظهر أن الإمام جعفر هو الذي يعزى إليه القول في محض الحديث: إن ما كان موافقا لما في كتاب الله فاقبلوه وما كان مخالفا له فاتركوه.
وقد أورد اليعقوبي في تاريخه بعض الحكم والكلمات المنسوبة للإمام جعفر