قبضتموه مني. وذهب ابن مهاجر، فلما رجع قال له أبو جعفر: ما وراءك؟ قال: أتيت القوم وهذه خطوطهم ما خلا جعفر بن محمد. قال لي يا هذا: اتق الله ولا تغرن أهل بيت محمد. فإنهم قريبو العهد بدولة بني مروان، وكلهم محتاج. فقلت: وما ذاك أصلحك الله. فقال: أدن مني. فدنوت فأخبرني بجميع ما جرى بيني وبينك كأنه ثالثنا.
قال المنصور: يا بن مهاجر إنه ليس من أهل بيت نبوة إلا وفيهم محدث. وإن جعفر ابن محمد محدثنا اليوم.
فالصادق يكشف للمنصور ودسيسه حقائق يعلمونها، وينبههما على ألا يورطا أهل البيت من جراء حاجاتهم، يريد لأهله السلامة وللخليفة الاستقامة، وللأمة الطمأنينة، وفي كل ذلك خير لأبي جعفر المنصور.
ولقد كان المنصور نفسه يجعل الصادق حجة من حججه، وإذا فاخر أهل البيت فاخرهم به.
كتب إليه محمد بن عبد الله (النفس الزكية) يدعوه ليبايعه، وعيره بأمهات العباسيين لأنهن أمهات ولد، وأم المنصور بربرية تدعى سلامة، يتردد اسمها على ألسنة الذين فاخروه فتولى المنصور كبره في الرد على محمد، ولم يدع الفرصة تفوته ليستفيد حجة من مكانة الإمام الصادق. قال فيما قال: وما ولد فيكم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من علي بن الحسين زين العابدين، وهو لأم ولد و لهو خير من جدك حسن ابن حسن. وما كان فيكم بعده مثل محمد بن علي الباقر و جدته أم ولد، ولهو خير من أبيك، ولا مثل ابنه جعفر وجدته أم ولد، وهو خير منك.
وغض المنصور طرفه عن أم الولد في شجرة الباقر شاه زنان بنت كسرى ملك الفرس، وأين منها بعد إذا أسلمت سلامة!
على أن اللقاءات أو الاحتكاكات بين الرجلين لا تتوقف.
فهذان قطبان لكل منهما عالمه، وهما ضدان لهما مستويان والشرف فيهما لرجل الدين والزهد والعلم، والملوك أحوج إلى العلماء من العلماء إلى الملوك.