يوقع فيه الإمام، وليس هوى أبي جعفر مع أي منهما. ولا بأس عنده إذا أعجز كل منهما، أو أحدهما صاحبه.
وإن المرء ليلمس خساسة الحيل الظاهرة من أبي جعفر، باتخاذ العلم والفقه أداة للشر المدبر، وعظماء العلماء وسائل للإساءة للمسالمين الذين يأمن جانبهم. فلنقس عليها فظاعة تدابيره السرية لمن يخشى العواقب منهم، ولندرك جلالة الحق إذ ينتصر على الحيلة، وجلجلة الحقيقة إذ تظهرها وسيلة أريد بها طمس معالمها، ومكانة الإمام الصادق في العلم إذ يتواضع أمامه العظماء من الفقهاء، في مجلس علمي يسيطر عليه خليفة عالم.
أقدم المنصور الإمام الصادق من المدينة إلى العراق وبعث إلى أبي حنيفة فقال له:
إن الناس قد افتتنوا بجعفر، فهيئ له المسائل الشداد.
ويقول أبو حنيفة عن لقائه بعد ذلك: بعث إلي أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته، فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس عن يمينه. فلما أبصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر فسلمت عليه، فأومأ إلي فجلست.
ثم التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة. قال جعفر: إنه قد أتانا. ثم التفت إلي المنصور وقال: يا أبا حنيفة ألق على أبي عبد الله (الصادق) مسائلك. فجعلت ألقى عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا. وأهل المدينة يقولون كذا. ونحن نقول كذا. فربما تابعهم، وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على أربعين مسألة.
ولقد قال أبو حنيفة في مقام آخر: ألسنا روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
وإنما يقصد أبو حنيفة باختلاف الناس الاجتهاد الفقهي للمقارنة بين مذاهب المجتهدين، فأبو حنيفة - وهو الإمام الأعظم عند أهل السنة - يقرر أن الإمام الصادق أعلم الناس باختلاف الناس في المدينة حيث علم المحدثين، وفي الكوفة حيث علم أهل الرأي. وكانتا قد بلغتا أوجهما، على أيدي أبي حنيفة ومالك. وهما التلميذان في