فلسفتنا - السيد محمد باقر الصدر - الصفحة ٢٧٨
وكأن الماركسية أدركت موقفها هذا المتأرجح بين التناقضات الداخلية ومبدأ العلية. وحاولت ان توفق بين الامرين، فأعطت العلة والمعلول مفهوما ديالكتيكيا ورفضت مفهومها الميكانيكي، وسمحت لنفسها على هذا الأساس ان تستعمل في تحليلها طريقة العلة والمعلول في إطارها الديالكتيكي الخاص. فالماركسية ترفض السببية التي تسير على خط مستقيم والتي تظل فيها العلة خارجية بالنسبة إلى معلولها، والمعلول سلبيا بالنسبة إلى علته لان هذه السببية تتعارض مع الديالكتيك، مع عملية النمو والتكامل الذاتي في الطبيعة. إذ أن المعلول طبقا لهذه السببية لا يمكن أن يجيء حينئذ أثري من علته وأكثر نموا لان هذه الزيادة في الثراء والنمو تبقى دون تعليل، واما المعلول الذي يولد من نقيضه فيتطور وينمو بحركة داخلية، طبقا لما يحتوي من تناقضات ليعود إلى النقيض الذي أولده فيتفاعل معه ويحقق عن طريقة الاندماج به مركبا جديدا أكثر اغتناء وثراء من العلة والمعلول منفردين، فهذا هو ما تعنيه الماركسية بالعلة والمعلول لأنه يتفق مع الديالكتيك ويعبر عن الثالوث الديالكتيكي (الأطروحة والطباق والتركيب). فالعلة هي الأطروحة والمعلول هو الطباق والمجموع المترابط منهما هو التركيب، والعلية هنا عملية نمو وتكامل عن طريق ولادة المعلول من العلة أي الطباق من الأطروحة، والمعلول في هذه العملية لا يولد سلبيا بل يولد مزودا بتناقضاته الداخلية التي تنميه وتجعله يحتضن علته اليه في مركب أرقى وأكمل.
وقد سبق في حديثنا عن الديالكتيك رأينا في هذه التناقضات الداخلية التي ينمو الكائن وفقا لتوحدها وصراعها في أعماقه، ونستطيع ان نعرف الآن في ضوء مفهومها الأعمق عن العلاقة بين العلة والمعلول خطأ الماركسية في مفهومها عن العلية وما تؤدي اليه من نمو المعلول وتكامل العلة بالاندماج مع معلولها، فان المعلول حيث كان لون من ألوان التعلق والارتباط بعلته، ولا يمكن للعلة ان تتكامل به في مركب أرقى. وقد استعرضنا في كتاب (اقتصادنا) ص (23) بعض تطبيقات ماركس لمفهومه الديالكتي عن العلية على الصعيد التاريخي حيث حاول ان يبرهن على ان العلة تكاملت بمعلولها وتوحدت معه في مركب أثري، واستطعنا ان نوضح في دراستنا تلك ان هذه التطبيقات نشأت
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المؤلف 7
2 تمهيد... المسألة الاجتماعية 11
3 المذاهب الاجتماعية 12
4 الديموقراطية الرأسمالية 13
5 الاتجاه المادي في الرأسمالية 16
6 موضع الاخلاق من الرأسمالية 19
7 مآسي النظام الرأسمالي 20
8 الاشتراكية والشيوعية 24
9 الانحراف عن العملية الشيوعية 26
10 المؤاخذات على الشيوعية 28
11 التعليل الصحيح للمشكلة 32
12 كيف تعالج المشكلة 36
13 رسالة الدين 40
14 1 - نظرية المعرفة 51
15 1 - المصدر الأساسي للمعرفة 51
16 التصور ومصدره الأساسي 52
17 1 - نظريات الاستذكار الأفلاطونية 53
18 2 - النظرية العقلية 54
19 3 - النظرية الحسية 57
20 4 - نظرية الانتزاع 61
21 التصديق ومصدره الأساسي 62
22 1 - المذهب العقلي 63
23 2 - المذهب التجريبي 66
24 الماركسية والتجربة 79
25 التجربة والكيان الفلسفي 82
26 المدرسة الوضعية والفلسفة 85
27 الماركسية والفلسفة 90
28 2 - قيمة المعرفة 95
29 1 - آراء اليونان 97
30 2 - ديكارت 98
31 3 - جون لوك 102
32 4 - المثاليون 104
33 أ - المثالية الفلسفية 105
34 ب - المثالية الفيزيائية 115
35 ج - المثالية الفيزيولوجية 122
36 5 - أنصار الشك الحديث 123
37 6 - النسبيون 125
38 أ - نسبية كانت 126
39 ب - النسبية الذاتية 133
40 الشك العلمي 134
41 نظرية المعرفة في فلسفتنا 141
42 النسبية التطورية 145
43 التجربة والمثالية 145
44 التجربة والشيء في ذاته 152
45 الحركة الديالكتيكية في الفكر 159
46 أ - تطور الحقيقة وحركتها 163
47 اجتماع الحقيقة والخطأ 169
48 التعديلات العلمية والحقائق المطلقة 172
49 انتكاس الماركسية في الذاتية 175
50 2 - المفهوم الفلسفي للعالم 177
51 المفهوم الفلسفي 179
52 تصحيح أخطاء 180
53 ايضاح عدة نقاط 183
54 الاتجاه الديالكتيكي للمفهوم المادي 187
55 الديالكتيك أو الجدل 191
56 1 - حركة التطور 197
57 2 - تناقضات التطور 219
58 أ - ما هو مبدأ عدم التناقض؟ 223
59 ب - كيف فهمت الماركسية التناقض؟ 225
60 الهدف السياسي من الحركة التناقضية 237
61 3 - قفزات التطور 241
62 4 - الارتباط العام 251
63 نقطتان حول الارتباط العام 255
64 مبدأ العلية 261
65 العلية وموضوع الاحساس 261
66 العلية والنظريات العلمية 263
67 العلية والاستدلال 265
68 الميكانيكية والديناميكية 266
69 مبدأ العلية والميكروفيزياء 268
70 لماذا تحتاج الأشياء إلى علة 272
71 أ - نظرية الوجود 272
72 ب - نظرية الحدوث 274
73 ج و د - نظرية الامكان الذاتي والامكان الوجودي 274
74 التأرجح بين التناقض والعلية 277
75 التعاصر بين العلة والمعلول 279
76 المناقشة الكلامية 279
77 المعارضة الميكانيكية 280
78 النتيجة 282
79 المادة أو الله 285
80 المادة على ضوء الفيزياء 286
81 نتائج الفيزياء الحديثة 291
82 النتيجة الفلسفية من ذلك 292
83 مع التجريبيين 294
84 مع الديالكتيك 295
85 المادة والفلسفة 297
86 الجزء والفيزياء والكيمياء 302
87 الجزء والفلسفة 304
88 النتيجة الفلسفية 305
89 المادة والحركة 306
90 المادة والوجدان 308
91 المادة والفيزيولوجيا 309
92 المادة والبيولوجيا 310
93 المادة وعلم الوراثة 312
94 المادة وعلم النفس 313
95 الادراك 319
96 الادراك في مستوى الفيزياء والكيمياء 322
97 الادراك في مستوى الفيزيولوجيا 322
98 الادراك في البحوث النفسية 324
99 الادراك في مفهومه الفلسفي 328
100 الجانب الروحي من الانسان 334
101 المنعكس الشرطي والادراك 336