، التي ينبثق بعضها عن بعض، يجب أن يكون لها بداية، أي علة أولى لم تنبثق عن علة سابقة، ولا يمكن ان يتصاعد تسلسل العلل تصاعدا لا نهائيا، لان كل معلول - كما سبق - ليس الا ضربا من التعلق والارتباط بعلته. فالموجودات المعلولة جميعا ارتباطات وتعلقات، والارتباطات تحتاج إلى حقيقة مستقلة، تنتهي إليها. فلو لم توجد لسلسلة العلل بداية، لكانت الحلقات جميعا معلولة، وإذا كانت معلولة فهي مرتبطة بغيرها، ويتوجه السؤال حينئذ. عن الشيء الذي ترتبط به هذه الحلقات جميعا. وفي عرض آخر، ان سلسلة الأسباب، إذا كان يوجد فيها سبب غير خاضع لمبدأ العلية، ولا يحتاج إلى علة، فهذا هو السبب الأول، الذي يضع للسلسلة بدايتها، ما دام غير منبثق عن سبب آخر يسبقه. وإذا كان كل موجود في السلسلة محتاجا إلى علة - طبقا لمبدأ العلية - دون استثناء، فالموجودات جميعا تصبح بحاجة إلى علة ويبقى سؤال لماذا؟ - هذا السؤال الضروري - منصبا على الوجود بصورة عامة، ولا يمكن ان نتخلص من هذا السؤال. الا بافتراض سبب أول متحرر من مبدأ العلية، فإننا حينئذ ننتهي في تعليل الأشياء اليه. ولا نواجه فيه سؤال لماذا وجد؟ لان هذا السؤال انما نواجهه في الأشياء الخاضعة لمبدأ العلية خاصة.
فلنأخذ الغليان مثلا، فهو ظاهرة طبيعية محتاجة إلى سبب، طبقا لمبدأ العلية، ونعتبر سخونة الماء سببا لها، وهذه السخونة هي كالغليان في افتقارها إلى علة سابقة. وإذا أخذنا الغليان والسخونة كحلقتين في سلسلة الوجود، أو في تسلسل العلل والأسباب، وجدنا من الضروري أن نضع للسلسلة حلقة أخرى، لأن كلا من الحلقتين بحاجة إلى سبب، فلا يمكنهما الاستغناء عن حلقة ثالثة، والحلقات الثلاث تواجه بمجموعها نفس المسألة، وتفتقر إلى مبرر لوجودها، ما دامت كل واحدة منها خاضعة لمبدأ العلية. وهذا هو شأن السلسلة دائما وأبدا، ولو احتوت على حلقات غير متناهية. فما دامت حلقاتها جميعا محتاجة إلى علة، فالسلسلة بمجموعها مفتقرة إلى سبب، وسؤال (لماذا وجد؟) يمتد ما امتدت حلقاتها، ولا يمكن تقديم الجواب الحاسم عليه، ما لم ينته التسلسل فيها إلى حلقة غنية بذاتها، غير محتاجة إلى علة، فتقطع