التجريبية الميسورة لم تكن كاملة، إلى حد تكشف له عن الشروط المادية الدقيقة، التي اختلفت النتائج بسبب اختلافها، ومن الطبيعي ان تكون وسائل التجربة، في المجالات الذرية ووقائعها، أبعد عن الكمال من الوسائل التجريبية، التي تتخذ في مجالات فيزيائية أخرى، أقل خفاء وأكثر وضوحا.
الثاني: تأثر الموضوع - نظرا إلى دقته وضآلته - بالمقاييس والأدوات العلمية، تأثرا دقيقا لا يقبل القياس والدرس العلمي.
فقد تبلغ الوسائل العلمية الذروة في الدقة والكمال والعمق، ولكن العالم - مع ذلك - يواجه المشكلة نفسها. لأنه يجد نفسه إزاء وقائع فيزيائية، لا يستطيع قياسها، بدون أن يدخل فيها اضطرابا غير قابل للقياس. وبذلك يختلف موقفه تجاه هذه الوقائع، عن موقفه في تجارب فيزياء العين المجردة، لأنه في تلك التجارب يستطيع ان يقوم بقياساته، دون اجراء أي تعديل في الشيء المقاس، وحتى حينما يعدل فيه، يكون هذا التعديل نفسه قابلا للقياس. وأما في الميكروفيزياء فقد تكون دقة الأداة وقوتها بنفسها، سببا في فشلها، إذ تحدث تغييرا في الموضوع الملاحظ، فلا يمكن أن يدرس بصورة موضوعية مستقلة. ولذلك يقول (جان لويس ديتوش) - فيما يتعلق بجسيم من الجسيمات - فبدلا ان تكون شدة النور، هي ذات الأهمية، إذ يصبح طول الموجة هو المهم. فكلما أضأنا الجسيم بموجة قصيرة - أي بموجة ذات تواتر كبير - أصبحت حركته عرضة للاضطراب.
ومرد السببين معا إلى قصور وسائل التجربة والمشاهدة العلميتين:
اما عن ضبط الموضوع الملاحظ، بجميع شروطه وظروفه المادية، واما عن قياس التأثير، الذي توجده التجربة نفسها فيه قياسا دقيقا. وكل هذا انما يقرر عدم امكان الاطلاع على النظام الحتمي، الذي يتحكم في الجسيمات وحركاتها - مثلا - وعدم امكان التنبؤ بمسلك هذه الجسيمات تنبؤا مضبوطا. ولا يبرهن ذلك على حريتها، ولا يبرر ادخال اللاحتمية إلى مجال المادة، واسقاط قوانين العلية من حساب الكون.