نفي واثبات؟ كلا. فان كل نفي لا يناقض أي اثبات، وكل اثبات لا يتعارض مع كل نفي، وانما يتناقض الاثبات مع نفيه بالذات لا مع نفي اثبات آخر، ووجود الشيء يتعارض بصورة أساسية مع عدم ذلك الشيء، لا مع عدم شيء آخر. ومعنى تعارضهما انهما لا يمكن ان يتوحدا أو يجتمعا. فالمربع ذو أربعة أضلاع، وهذه حقيقة هندسية ثابتة، والمثلث ليس له أربعة أضلاع، وهذا نفي صحيح ثابت أيضا، ولا تناقض مطلقا بين هذا لنفي وذاك الاثبات، لأن كلا منهما يتناول موضوعا خاصا، يختلف عن الموضوع الذي يتناوله الآخر. فالأضلاع الأربعة ثابتة في المربع، ومنفية في المثلث فلم تنف ما أثبتنا أو نثبت ما نفينا. وانما يوجد التناقض إذا كنا نثبت للمربع أضلاعا أربعة، وننفيها عنه أيضا، أو نثبتها للمثلث وننفيها عنه في نفس الوقت.
وبهذا الاعتبار نص المنطق الميتافيزيقي، على ان التناقض انما يكون بين النفي والاثبات الموحدين في ظروفهما. فإذا اختلفت ظروف النفي مع ظروف الاثبات، لم يكن الاثبات والنفي متناقضين. ولنأخذ عدة أمثلة للنفي والاثبات المختلفين في ظروفهما:
أ - الأربعة زوج. الثلاثة ليست زوجا. فالنفي والاثبات في هاتين القضيتين، لا تناقض بينهما، لاختلاف كل منهما عن الآخر بالموضوع، الذي يعالجه. فالاثبات تعلق بالأربعة، والنفي تعلق بالثلاثة.
ب - الانسان سريع التصديق حال الطفولة، الانسان ليس سريع التصديق في دور الشباب والنضح. فقد تعلق النفي والاثبات في هاتين القضيتين بالانسان، ولكن كلا منهما له زمانه الخاص، الذي يختلف عن زمان الآخر، فلا يوجد تناقض بين النفي والاثبات.
ج - الطفل ليس عالما بالفعل. الطفل عالم بالقوة، أي يمكن ان يكون عالما, وهنا أيضا نواجه نفيا واثباتا غير متناقضين. لأننا في القضية الأولى لم ننف نفس الاثبات، الذي تحتويه القضية الثانية، فالقضية الأولى تنفي وجود صفة العلم لدى الطفل، والقضية الأخرى لا تثبت وجود الصفة. وانما تثبت