لدى أصحاب التحليل النفسي بأن اللا شعور هو الذي يحدد محتويات الشعور وبالتالي يتحكم في كل أفكار الانسان وسلوكه. وعلى هذا الأساس تصبح شهواتنا الغريزية هي الأساس الحقيقي لما نعتقد بصحته، وليست عمليات الاستدلال التي تهدينا إلى النتائج المفروضة علينا سلفا من قبل شهواتنا وغرائزنا الا اعلاء لتلك الغرائز وتساميا بها إلى منطقة الشعور التي تشكل القسم الاعلى من العقل، بينما تشكل العناصر اللاشعورية والغرائز والشهوات المختزنة الطابق الأرضي أو القسم الأسفل الأساسي.
وبسهولة نستطيع ان ندرك أثر هذا المذهب التحليلي على نظرية المعرفة. فان الفكر في ضوئه ليس أداة لتصوير الواقع والحدس بالحقيقة وانما وظيفته التعبير عن متطلبات اللا شعور، والانتهاء حتما إلى النتائج التي تفرضها شهواتنا وغرائزنا المختزنة في أعماقنا، وما دام العقل آلة طيعة في خدمة غرائزنا والتعبير عنها لا عن الحقيقة والواقع فليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه يعكس الحقيقة لأن من الجائز ان تكون الحقيقة على خلاف رغباتنا اللاشعورية التي تتحكم في عقلنا. ومن المستحيل أن نفكر في تقديم أي ضمان للتوافق بين قوانا العقلية اللاشعورية وبين الحقيقة لأن هذا التفكير ذاته ينبثق أيضا عن رغباتنا اللاشعورية ويعبر عنها لا عن الواقع والحقيقة.
ويجيء بعد هذا دور المادية التاريخية لتنتهي إلى نفس النتيجة التي أسفرت عنها مذاهب السلوكية والتحليل النفسي بالرغم من ان أصحابها يرفضون كل لون للشك ويؤمنون على الصعيد الفلسفي بقيمة المعرفة وقدرتها على كشف الحقيقة.
والمادية التاريخية تعبر عن المفهوم الكامل للماركسية عن التاريخ والمجتمع وقوانين تركبه وتطوره وهي لذلك تعالج الأفكار والمعارف الانسانية عامة بوصفها جزءا من تركيب المجتمع الانساني فتعطي رأيها في كيفية نشوء سائر الأوضاع السياسية والاجتماعية.
والفكرة الأساسية في المادية التاريخية هي ان الوضع الاقتصادي الذي تحدده وسائل الانتاج هو الأساس الواقعي للمجتمع بكل نواحيه فجميع