وجملة اشتغاله فيما أمره الله تعالى به ونهاه عنه، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوله الله تعالى ملكا هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه، وإذا فوض العبد تدبير نفسه إلى مدبره هان عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرغ منهما إلى المراء والمباهات مع الناس، فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هان عليه الدنيا وإبليس والخلق، ولا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخرا، ولا يطلب ما عند الناس عزا وعلوا، ولا يدع أيامه باطلا، فهذا أول درجة التقى - ثم تلا عليه السلام: - ﴿تلك الدار الآخرة - الخ﴾ (1) - والخبر طويل) (2)، وفي الحديث النبوي المتقدم: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى) (3)، فالخالي عنهما كالأنعام بل أضل سبيلا، ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله كما في الخصال: (لا خير في العيش إلا لرجلين: عالم مطاع، أو مستمع واع) (4).
ونريد بالعلم: عبادة القلب وعمله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(أفضل العبادة الفقه) (5)، وبالعمل: عبادة الجوارح وعملها، غير أن التقوى والعبادة إذا نسبت إلى الأعلى - وهي القلب - تسمى علما، وإلى الأسفل - وهي الجسد - تسمى عملا، فكما أن قوام الجسد بالقلب كذلك قوام العمل بالعلم، كما قالوا: إن العلم روح العمل وإن العمل الخالي عن العلم وإن كثر لا يزداد صاحبه إلا بعدا ونفورا، (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)، ولذا كان الخلل فيه متداركة بالعلم، كما قال عليه السلام: (والله لنوم على يقين أفضل من عبادة أهل الأرض)، وقال النبي صلى الله عليه وآله:
(من تعلم بابا من العلم، عمل به أو لم يعمل (به)، كان أفضل من أن يصلي ألف ركعة تطوعا) (7)، ولا عكس، كما قال عليه السلام: (إياكم والجهال من المتعبدين) (8)، وقال عليه السلام: (قطع ظهري اثنان: عالم متهتك وجاهل