أن أدري وفاتي دنت أم لا، فقال الأصبغ: بماذا تأمر به يا سلمان، يا أخي؟
قال له: أن تخرج (1) وتأتيني بسرير وتفرش عليه ما يفرش للموتى، ثم تحملني بين أربعة فتأتون بي إلى المقبرة، فقال الأصبغ: حبا وكرامة، (قال:) فخرجت مسرعا وغبت ساعة وأتيته بسرير وفرشت عليه ما يفرش للموتى، ثم أتيته بقوم حملوه حتى أتوا به إلى المقبرة، فلما وضعوه فيها قال لهم: يا قوم!
استقبلوا بوجهي القبلة، فلما استقبل بوجهه (2) نادى بعلو صوته: السلام عليكم يا أهل عرصة البلاء، السلام عليكم يا محتجبين عن الدنيا (3)، قال: فلم يجبه أحد، فنادى ثانية: السلام عليكم يا من جعلت المنايا لهم غذاء، السلام عليكم يا من جعلت الأرض عليهم غطاء، السلام عليكم يا من لقوا أعمالهم في دار الدنيا، السلام عليكم يا منتظرين النفحة الأولى، سئلتكم بالله العظيم والنبي الكريم إلا أجابني منكم مجيب، فأنا سلمان الفارسي مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه قال لي: يا سلمان! إذا دنت وفاتك سيكلمك ميت وقد اشتهيت أن أدري دنت وفاتي أم لا.
فلما سكت سلمان من كلامه فإذا هو بميت قد نطق من قبره وهو يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا أهل البناء والفناء، المشتغلون بعرصة الدنيا وما فيها، نحن لكلامك مستمعون ولجوابك مسرعون، فسل عما بدا لك يرحمك الله تعالى، قال سلمان:
أيها الناطق بعد الموت والمتكلم بعد حسرة الفوت! أمن أهل الجنة (أنت) بعفوه أم من أهل النار بعدله؟ فقال: يا سلمان! أنا ممن أنعم الله تعالى عليه بعفوه وكرمه وأدخله جنته برحمته، فقال له سلمان: الآن يا عبد الله صف لي الموت، كيف وجدته وماذا لقيت منه، وما رأيت وما عاينت؟
قال: مهلا يا سلمان، فوالله إن قرضا بالمقاريض ونشرا بالمناشير