كما يقولون: فلان يهوى غيره وتشتد محبته له حتى إنه (قد) قتله حبه أو أتلف نفسه أو ما جرى مجرى هذا من الألفاظ، وتكون فائدة هذا الخبر حسن الثناء على الرجلين وأنه آخى بينهما، وباطنهما كظاهرهما وسرهما في النقاء والصفاء كعلانيتهما، انتهى كلامه رفع الله مقامه) (1)، كذا عنه في البحار، قال بعد نقله: (وفيه ما لا يخفى.) (2) قلت: أما أولا: فنمنع كونه من الأخبار الآحاد، كيف وقد دلت على هذا المضمون سبع أحاديث كما عرفت، ولو انضم إليها ما يقرب هذا المضمون كأخبار درجات الإيمان التي رواها في الكافي والخصال بطرق عديدة وغيرها، لدخل في المتواترة معنى جدا، مع أن الظاهر أنه يريد من الآحاد غير ما اصطلحه أصحاب الدراية كما استظهره بعض المحققين، فلا يشمل مثل هذا الخبر مما ورد مسندا برجال موثوق بها في الكتب المعتبرة المعولة عليها.
وأما ثانيا: فلأن هذا التفاوت بينهما بعد حصول الجامع بينهما لهما، وهو الإيمان بالله ورسوله وخلفائه بأدنى ما يتمايز به عن المخالف، وإنما هذا الاختلاف في خصوصيات الأفراد المختلفة بالشدة والضعف والنقصان ت والكمال والإيمان، لا أن الداني فاقد للإيمان داخل في زمرة المنافقين، والسبب في التكفير أو القتل لا يلزم أن يكون شيئا ينافي الإيمان بحسب الواقع، بل معدما عرفت أن له مراتب كان السبب عنده لهما هو المنافاة والتخالف بين المقامين وعدم تحمل القاصر الداني وعدم إدراك عقله ما تحمله العالي منه بدرجة وما فوقها، أو لإدراك العالي قصوره ومباينته، وفي كلام السجاد عليه السلام ما يشير إلى ذلك، حيث قال عليه السلام:
إني لأكتم من علمي جواهره كيلا يراه ذووا جهل فيفتتنا