ولا طمعا في جنتك، ولكن وجدتك أهلا للعبادة، فعبدتك) (1)، وما ورد في قوله تعالى: (أمن هو قانت إناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه): (إنه نزل في علي بن أبي طالب) (2)، وإن احتمل أن تكونا صفتين أخريين، دون أن تجعلا غاية وعلة غائية، والممنوع عن شأن الولي الحر أن تكون هاتان الصفتان من الأسباب الباعثة له على العبادة، لا أنه يجب أن ينزه الولي عن التلبس بهما، فالإمام إنما قال: (ما عبدتك خوفا)، لا (ما خفتك)، ولا (خفت نارك)، وبون بينهما، فمن الجايز أن يخاف الولي الحر النار المعهودة ويرجو الجنة المعهودة، لعلمه من شأن معبوده محبة ذلك فيخاف ويرجو، لأن محبوبه يحب ذلك.
والعشق: هو الافراط في الحب، وعن أرسطو: إنه عمي الحس عن إدراك عيوب المحبوب، وهو من الأمراض المعروفة من أنواع الماليخوليا الذي هو تشويش الظنون والفكر إلى الفساد والخوف، وعرفوه الأطباء بأنه مرض وسواسي يجلبه الإنسان إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور والشمائل التي تكون له، ويعتري للغراب والبطالين والرعاع، ويزيد بالنظر والسماع، ونقص بالسفر والجماع، وقالوا: لا علاج أنفع من الوصال، وقال بعضهم: إنه ربما لا يكون معه شهوة مجامعة، بل كان المطلوب مطلق المشاهدة والوصال، وهذا الصنف منه يعتري للعارفين وكبراء النفوس، وينتقلون من هذا العشق المجازي إلى الحقيقي وهو معرفة الله عز وجل.
قلت: وهذا التعميم نظير إنكار العامة عصمة الأوصياء تصحيحا لخلافة أئمتهم، وإلا فهذا طريق كلما ازداد صاحبه سيرا زاد بعدا عن ساحة معرفة الحق التي هي غاية سير السالكين، فإن خلو القلب عن حبه تعالى هو السبب الأعظم في استحسان الصور فكيف يصير طريقا له، وفي علل الشرايع